الفرنسيون حوّلوا نهر السين معلما سياحيا
تمر اليوم الذكرى الخمسين لأحداث نهر السين الأليمة التي شهدت مجزرة فريدة من نوعها، عندما قامت الشرطة الفرنسية بقمع مظاهرات في قلب العاصمة باريس ضد حظر تجوال الجزائريين والقمع الممارس على أبناء الجزائرفي الداخل وفي الخارج بعد أن حاولوا إسماع صوت الجزائر، حيث رمت بالمتظاهرين في أمواج النهر المتلاطمة في ذلك الوقت الخريفي مقارنة بما تشهده باريس هذه الأيام من جو ربيعي.
- لم يكن نهر السين منذ نصف قرن إلا مجرد مجرى مائي يقسم باريس إلى نصفين ولا يمثل أي شيء بالنسبة للسياحة كما أخبرتنا بذلك كارين، وهي مختصة في السياحة قالت أنها درست عن جغرافية النهر وتاريخه الحاضر ولم تعلم بتاريخه القديم وإن كان مقبرة للمئات من المتظاهرين الجزائريين الذين كُتمت كلمة “الجزائر” في أعماقهم .
- وفي غياب تظاهرات جزائرية كبرى تخلد الحدث وتُجبره على الواقع وعلى الذاكرة المفقودة، فإن بعض الجمعيات اليهودية استغلته بطريقتها الخاصة في قلب باريس، حيث يقوم اتحاد يهود فرنسا من أجل السلام وهي جمعية معتدلة منذ بضعة أيام بإلقاء محاضرات، ونشر مطويات يقول فيها ان ما اقترفته مصالح الأمن الفرنسية في حق المطالبين بحقوقهم في 17 أكتوبر 1961 هي جريمة دولة، ولكنهم يقرنوها بما يسمونه بالهولوكست العالمي، ورغم أن الرواية اليهودية لا تختلف كثيرا عن الواقع، فإن الجمعية لم تنس في هذا اليوم أيضا الاحتفال بالذكرى العاشرة لاغتيال أول وزير إسرائيلي وهو وزير السياحة رحبعام رييفي.
- الحزب الإشتراكي الفرنسي الذي اشتعل فيه الصراع أمس، من أجل تعيين الشخصية التي ستنافس نيكولا ساركوزي في الاستحقاق الرئاسي القادم راهن على ورقة المهاجرين عبر بيان لم يكن له أي صدى لأنه لم يأت من قمة الحزب، ولم ينشر في كبريات الصحف الفرنسية، ولكنه كان مهما جدا عندما طالب من الدولة الفرنسية الاعتراف الرسمي بأحداث 17 اكتوبر 1961 ولخص الأحداث في أن محافظ الشرطة موريس بابون هو الذي أمر بقتل المئات وتعذيب الآلاف بين الضرب المبرح حتى الموت أو رميهم في النهر لوأد أدلة الجريمة، ولكن الحزب الإشتراكي في بيانه بدا أكثر واقعية عندما قرن ما حدث في 1961 بما يحدث حاليا من قمع للمظاهرات في الأراضي المحتلة، ويبقى الإشكال أن الأرشيف موجود وبرغم نصف قرن كامل عن الحدث لا أحد تمكن من الإطلاع عليه لمعرفة حقيقة ما حدث.
- نهر السين الممتد عبر 13 كلم أو مكان الجريمة هو الآن معلم عملاق في خدمة السياحة الفرنسية لا أحد يذكر الألم، بما في ذلك الآلاف من السواح الجزائريين الذين ولدوا على ضفاف النهر، فقرابة الثلاثين مليون سائح من كل الجنسيات يتفرجون على النهر من شرفات ضفافه أو عبر جولة في بواخره الكثيرة، حيث يتوقف السائح ويقدم له الدليل السياحي عبر المحطات الثماني، المتاحف، برج إيفل ومعالم تاريخية ولكن لا أحد قال له إنه منذ نصف قرن، شهد هذا النهر حادثة مجزرة كان من المفروض أن تجعله فعلا نهرا تاريخيا.