العالم
الأمين العام للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين علي القره داغي لـ"الشروق":

القبول بصفقة القرن حرام.. والحركات الإسلامية ليست معصومة!

الشروق أونلاين
  • 2447
  • 14
ح.م

يؤكد الأمين العام للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، الدكتور علي القره داغي، أن القبول بصفقة القرن التي عرضتها الإدارة الأمريكية كتسوية للقضية الفلسطينية، “حرام شرعا”، وأنه لا يجوز التعامل بها، وحذر من الأطراف التي تسعى لرهن القدس لأن ذلك مقدمة لرهن الحرمين الشريفين.

ويقول الدكتور القرة، في هذا الحوار مع الشروق، على هامش مشاركته في المؤتمر الدولي حول مستقبل المالية الإسلامية، بجامعة تيبازة، إنه تابع الحراك الجزائري الذي لم ترق فيه قطرة دم واحدة، ونفى أي دور للاتحاد في تحريك الشعوب ضد الأنظمة الحاكمة فيما سمي بالربيع العربي، كما ينفي أي تدخل للحكومة القطرية في تسيير الاتحاد خدمة لسياستها، على أساس تواجد مقر الاتحاد في العاصمة الدوحة.

هناك موجة تطبيع لدى الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني، ما الحكم الشرعي في هذه المسألة، وماذا عن صفقة القرن؟

نحن في الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين أصدرنا بيانا بموافقة مجلس الأمناء الذي يضم 49 عالما من كبار علماء الأمة وهو يمثل أكثر من 95 ألف عالم، أصدرنا بيانا وفتوى بحرمة صفقة القرن وحرمة التعامل معها والتعاون فيها.

هذه الصفقة حقيقة تقضي تماما على حقوقنا الأساسية في أعز مكان في هذه الدنيا بعد مكة المكرمة والحرم النبوي الشريف وهو القدس الشريف، الذي ورد ذكره في الذكر الحكيم “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى”، فالذي يفرّط في الأقصى يمكن أن يفرّط في المسجد الحرام لأنه مربوط بحكم القرآن الكريم، ولذلك حقيقة شدّدنا في هذا لأنه غير جائز وأن أي شخص يوافق على التنازل عن القدس الشريف فهو خائن لا يجوز شرعا القبول به. هذا من ناحية، كذلك التنازل أيضا لا يجوز عن بقية الأمور، وصفقة القرن تعني القضاء على حقوق إخواننا الفلسطينيين الذين يصبحون جزءا داخل الدولة اليهودية وليس لها حدودٌ ولا سيادة، وبالتالي حقيقة تجاوزت صفقة القرن حتى ما أقرّته الأمم المتحدة في قراراتها وخالفتها، وكما قلت هي أيضا مخالفة لشريعتنا ولهويتنا وقضيتنا، ولذلك نحن قلنا مصير هذه الصفقة ليس النجاح وإنما مزبلة التاريخ.

وماذا عن واجبنا كمسلمين في مواجهة هذه الصفقة؟

هذا هو البيان الواجب، طالبنا الحكام المسلمين بأن لا يفرّطوا في هذا المجال وكذلك طالبنا الأمم الإنسانية التي تقف مع الحق لأنهم حقيقة ليسوا كلهم سواء، هناك أناس معنا حتى من اليهود ومن المسحيين ومن الوثنيين يقفون إلى جانب القضية الفلسطينية، فكل من ساندنا طلبنا منه أن يقف معنا هذه المرة أيضا، ولكن وجّهنا بشكل مركز إلى المسلمين عامة بأن يقوموا بدعم إخواننا في فلسطين ماليا ومعنويا بكل الإمكانات المتاحة، وكذلك القيام بالتظاهرات والاعتصامات السلمية التي لا يترتب عنها أي إضرار بالممتلكات العامة، كذلك بأن تبقى هذه القضية حية في نفوس الناس من خلال خطب الجمعة. لقد وجهنا خطابنا إلى جميع خطبائنا والبالغ عددهم عشرات الآلاف بأن دائما يحييوا هذه القضية في نفوس الأمة الإسلامية، والشعوب يجب أن تكون مستوعِبة وواعية هذه القضية.

بخصوص الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، مواقفه وأفكاره تثير رفضا لدى البعض، هنالك من يعتبره كيانا منبثقا عن جماعة الإخوان المسلمين، ما صحة هذا الادعاء؟

أبدا، لا والله  ليس صحيحا، الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يرأسه فضيلة الشيخ أحمد الريسوني وأنا أمينه العام، لا أنا ولا هو من أعضاء الاتحاد من الإخوان المسلمين، كذلك نائب الرئيس سابقا فضيلة الشيخ أحمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان وهو مرجع لإخواننا الإباضية فكيف هو إخوانيٌّ؟ بالإضافة إلى 95 ألف عالم؛ هل كلهم إخوان؟.

لو كنا إخوان هذا أكبر قوة للإخوان، فهذا بصراحة افتراءٌ كبير جدا على الاتحاد، الاتحاد مرجعية عُلمائية شعبية لخدمة هذه الأمة، يمكن أخطر شيء فيه أن الاتحاد لا يقبل حقيقة بأي شيء يخالف قضايانا العامة، نحن لا ندخل في الفتاوى الجزئية، نحن تهمُّنا قضايا الأمة ونوجه رسائلنا وفتاوانا للأمة بحالتيها، حالة الأئمة والرؤساء والأمراء والملوك وحالة الشعوب والعلماء والمفكرين، سابقا -كما لا يخفى على أحد-  أن العلماء كانوا دائما يوجهون كلامهم إلى عامة الناس الغلابى، نحن الآن نقول هذا حق وهذا باطل، هذا صحيح وهذا غير صحيح، وبصوت مرتفع ولا نخاف في الله لومة لائم، ولذلك شعارنا “الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله”.

ما موقع الشيخ القرضاوي الآن في الاتحاد؟

الشيخ  يوسف القرضاوي الآن قدَّم استقالته، فهو شيخٌ وعالم رمزي كبير وهو بصراحة مرجعية لهذه الأمة، فهو شيخ الجميع والمؤسس، لكن ليس له علاقة إدارية الآن في الاتحاد، وبحكم صحته وعمره ترك رئاسة الاتحاد، وجرت انتخاباتٌ واختير فضيلة الشيخ أحمد الريسوني خلفا له.

تُطرح بين الحين والآخر مسألة فصل الدين عن السياسة، ما وجهة نظركم في هذه القضية؟

هناك فرقٌ بين الاستغلال السياسي للدين وبين الإسلام والسياسة، الأمور معكوسة الآن مع الأسف الشديد، بعض الحكام الذين يرفضون السياسة في الدين يستغلون الدين لصالح السياسة وهذا خطأ كبيرٌ وخطير جدا، وجهةُ نظرنا أن الدين الإسلامي كامل والنص القرآني يقول “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”، هذا الإسلام الكامل كيف طبقه الرسول  صلى الله عليه وسلم؟ طبقه من خلال العقيدة والشريعة والأخلاق وكذلك التطبيق العملي من خلال المدينة، هل كان الرسول يقوم بالسياسة أولا؟ السياسة خادمة للدين وهي جزءٌ منه، كما أن الاقتصاد جزء من الدين والاجتماع أيضا، الدين منهج حياة “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين”، لكن هذا لا يعني بالمناسبة أن الإسلام يتدخل في كل جزئية من جزئيات السياسة.. أبدا، نحن لا نتدخل في السياسة، لكن نؤمن بأن السياسة الشرعية يجب أن يطبقها الحكام.

هناك من يرى أن الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين أداة دولة قطر للسيطرة على العلماء، كيف تردّ على هذا الأمر؟

أولا الاتحاد لما أنشِئ كان في أوروبا، لأننا لم نجد في ذلك الوقت دولة تستوعبنا فأسسناه في إيرلندا التي أعطتنا الموافقة الرسمية، ثم نظمنا أول مؤتمر في بريطانيا، وبعدها أخذنا الموافقة من روسيا، وبعدها طلبنا من الحكومة القطرية أن يفتحوا لنا الأبواب، فوافقوا حسب الأسس القانونية والرسمية وصار لنا مقرٌّ رئيسي فيها ولنا أيضا فرع أساسي في تركيا، وعندنا كذلك في تونس والقرن الإفريقي بدولة كينيا وكذا استراليا.

الاتحاد ليس جزئية صغيرة، الأمر الآخر بصراحة والله يشهد على ذلك، أن قطر لا تتدخل في شؤون الاتحاد، وعلماء الاتحاد ليسوا كلهم قطريين، كم من عالم قطري؟ بل هم عشرات الآلاف من علماء المسلمين في مختلف البلدان، فكيف يرضون أن تحرِّكهم قطر؟ لا أحد يرضى ولو كان الأمر كذلك ما قبله علماءُ السعودية والسودان والكويت، لأنهم لا يريدون أن يقود الاتحادَ أيُّ أحد، الاتحاد له جمعية عمومية مرجعية ثم مجلس الأمناء يتكون من 49 عضوا ثم الأمانة الخاصة وبعدها نحو 12 لجنة كل منها يعمل في إطار، فقطر هي فقط مقر الأمانة العامة.

وماذا عن الهيئات الإسلامية الأخرى، كمنظمة التعاون الإسلامي، رابطة العالم الإسلامي، ومجلس حكماء المسلمين، أليست أدواتٍ في أيدي الأنظمة؟

أنا لا أحب أن أدخل هذا المجال لأنه ليس من شأننا، نحن بصراحة لن نهاجم، بل نترك الحكم للقارئ الكريم لجريدتكم العزيزة ليحكم على من يقف مع الأمة أو من يقف مع الصهاينة ومن هو أداة للحكام.

بعض الشعوب العربية، تحيي ما تسميه ذكرى انطلاق ثورات الربيع العربي، ما مستقبل هذا الحراك الشعبي؟ وهل تعتقد أن ما سمي الربيع العربي انتهى أوانه، أم أنه متعثر فقط؟

الشعوب لها حق في التعبير فيما تريد بالوسائل السلمية الحضارية، لقد شاهدنا وتابعنا الحَراك الجزائري الذي لم تُرَق فيه قطرةُ دم، فالشعوب هذا حقها شرعا وقانونا وطبيعة، ووسائل التعبير في الإسلام مسموح بها، والأصل فيها الإباحة وليس كما يقول البعض إنها بدعة، فالبدعة تدخل في الأمور الدينية المحضة مثل الشعائر الدينية، ولذلك فهذا حق الشعوب ولها الحق في هذا المجال، ولكن كل ما في الأمر نحن دائما ننصح عندما تتحرك الشعوب أن يكون الحَراك سلميا وأن تكون المطالب فعلا في دائرة المصلحة العامة وأن يكونوا متماسكين لا يخترقهم أحد من هنا أو هناك، وهذه دائما توصياتنا وتوجيهاتنا، لكن دون أن يكون لنا دورٌ في تحريكهم أو تسييرهم، فهم لما تحرّكوا نحن أصدرنا فتاوى ما هو المطلوب شرعا في هذا المجال السلمي، وطالبنا الحكومات بالاستجابة لمطالبهم المشروعة في كل مكان.

كيف تقيّمون تجربة الحركات الإسلامية في أوطاننا العربية الجزائر والمغرب وتونس ومصر؟

الحركات الإسلامية ليست على مستوى واحد، هناك حركاتٌ معتدلة وهناك حركاتٌ متشددة وهناك حركات إرهابية فعلا وتدعي أنها إسلامية، بالتأكيد الحركات الإرهابية مثل داعش والقاعدة وبوكو حرام والشباب الصومالي… بصراحة هؤلاء شوّهوا الإسلام، وهم خوارج هذا العصر مع الأسف الشديد لأنهم شوّهوا صورة الإسلام، أما الحركات المعتدلة حقيقة لهم بالتأكيد ايجابيات لكنهم ليسوا معصومين، فكل الحركات لها ما لها وعليها ما عليها، لكن أهمّ شيء في الحركة أن تكون معتدلة، فإذا كانت كذلك فنحن نقبلها وإذا كانت العكس نرفضها، وكذلك الحركات المنحرفة بالمناسبة التي تريد أن تميِّع الإسلام وأن تقضي على هوية الإسلام وهويتنا الأساسية وعزتنا وكرامتنا، أيضا هذه حركات غير مقبولة وهي مسنودة من الغرب للقضاء على عزة الإسلام وكرامته.

هل تعتقد بوجود جدوى ما يُعرف بالتقارب بين المذاهب (السنة والشيعة)؟

من حيث المبدأ، أنا في اعتقادي يجب أن نبحث ونسعى لا أقول إلى التقارب بل إلى رفع الخلاف والنزاع والمشاكل، ولكن بشروط فالاتحاد العالمي دخل في هذا الإطار وطلب من الإخوة الشيعة بأن يلتزموا ببعض الأمور من أهمها عدم تشييع المجتمعات السنية، وقلنا هذا لا يُقبل ولا يُمكن أن يكون هناك تقاربٌ وهذا الأمر مستمر، هناك حركة منظمة للتشييع نحن رفضناها، كذلك حتى الحركة للتسنين في داخل المناطق الشيعية تُحدث مشاكل وفوضى، كذلك قلنا لابد أن نترك الماضي الغريب الذي فيه مشاكل كبيرة جدا، لابد أن نتركها.

أقلّ شيء في العلاقات بيننا، ولكن بالتأكيد في مشكلاتنا في مواقع العمل، لما نرى مشاهد التدخل الإيراني في سوريا والعراق واليمن حقيقة نرى إشكالية كبيرة في هذا، لذلك أنا شخصيا أطالب بالتعاون ونبذ هذه الخلافات ولكن على روابط ومقوماتٍ وأسس.

وماذا عما بات يصطلح عليه بتجديد الخطاب الديني، وهل ما تابعناه مؤخرا في مؤتمر أقيم بمصر ودافع عن هذا الطرح رئيسُ جامعة القاهرة الذي انبرى له شيخ الأزهر؟

لا شك أن التجديد مطلوبٌ في الإسلام، ولكن ما معنى التجديد؟ التجديد أنه يكون لك بيتٌ تجدده لا أن تهدمه أو تنقله إلى مكان آخر، فالتجديد مهم في الإسلام في الفقه والاجتهاد ولكن ليس في الثوابت، والرسول قال هذا الكلام “إن الله يبعث على كل رأس مئة سنة من يجدد لها دينها”، والمقصود به أنه كيف إذا كانت هناك أشياء التصقت بالإسلام نزيحها، بالإضافة إلى حلول عملية للمشاكل.

على هامش مؤتمر تيبازة الدولي للمالية الإسلامية قمتم باسم الاتحاد العالمي بتكريم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، هل من كلمة عن هذا التكريم؟

باسم علماء الأمة قدَّمنا هذا التكريم للسيد الرئيس والدعاء بنجاحه في تحقيق الأمن والأمان وإزالة الفساد وتحقيق مطالب الحَراك.

مقالات ذات صلة