القدرات العقلية هي مفتاح التعلّم

الذكاء الإنساني مصمّم طبيعيا، لإدراك العلاقات البسيطة والمركبة، وإدراك التركيبات الحسية والتجريدية، ويدرك بقدرته الخارقة أن العلاقات المركبة، بتجريداتها هي من يصقل مواهبه، ويعمّق خبراته وتجاربه، وينمي مهارته نحو مستويات أرقى وأعلى وأكمل، ويدرك أن التجريد بمختلف مستوياته يختلف عن المحسوسات اختلافا كبيرا، لأن المحسوسات لا تستدعي قدرات عقلية عليا لإدراكها، وإنما يتم إدراكها من طريق الحواس، سمعا ونظرا ولمسا وشمّا، وهي لذلك تكون في مستوى الفهم الأولي للمتعلمين، وأنها لا تتعدى حدود الإدراك لتحديد هوياتها وأبعادها وأشكالها وألوانها وأحجامها وقياساتها، ويكون نصيب الفهم فيها متقارب لسهولة فهم تركيبتها الحسية.
أما التجريد فهو مستوى آخر من المعاني والأفكار والألغاز، وهو مجرد ماهيات وحقائق مجردة من الصور الحسية، وموقعها الدماغ فقط يتعقّلها بحيثياتها التجريدية، وصورها الرمزية التي تعّبر عنها رموز لغوية أو حسابية اصطلاحية، مثلما هو عليه الحال في علوم الرياضيات والفيزياء، ضمن لغة يحكم قواعدها لغة الترميز والتركيب في مجاهيل معقدة بتوغلها في التجريد، ولذلك تستدعي قدرات ذهنية عليا، عادة ما تتخلّق في العقول الموهوبة ذات الدرجات العليا في الذكاء.
وعلاقاتها التجريدية العميقة، تتطلب انتقاء تقنيات تربوية غاية في السهولة والجودة والإتقان، وتتماشى مع طبيعة الفروق الفردية للمتعلمين، لأن التربية ليست موجهة لطبقة معينة من الأذكياء والموهوبين فقط، وإنما هي تربية شاملة لكل المتمدرسين، مهما اختلفت درجات ذكائهم، واختيار الطريقة الجيدة هي من ييسّر لهم آليات الفهم بدرجات متفاوتة كل حسب قدراته وخبراته وتجاربه.