جواهر

القوة الناعمة والاستحقاقات

سعاد تيرس
  • 6271
  • 12
ح.م

عندما عرف جوزيف تاي الأستاذ بجامعة هارفارد ومساعد وزير الدفاع الأمريكي في حكومة بيل كلينتون القوة الناعمة ذكر أنها القدرة على الجذب والضم دون اللجوء إلى الإكراه واستخدام القوة كوسيلة للإقناع، في كتابه سنة 2004 أي أن تكون للدولة تلك القوة الروحية والمعنوية من خلالها تجسد الأفكار والمبادئ والأخلاق التي من شأنها تدعيم مجالات حقوق الإنسان، والبنية التحتية، والثقافة، والفن، ما يؤدي بالآخرين إلى الموافقة والموالاة دون الاعتراض عليها..

لكن ماذا لو كانت هناك قوة ناعمة تنبعث من عمق الشعب الجزائري.. هي نصفه الآخر.. هي قوة المرأة الجزائرية التي لا تفوت أي موعد أو فرصة لتسجيل حضورها بشكل مستمر وبمنحنى تصاعدي.بخطى ثابتة نحو التواجد في مراكز القرار رغم  العراقيل المفتعلة والعقليات التي تكون في أحيان كثيرة قراءتها ظالمة ومجحفة في حقها..

أن تكون القوة الناعمة في هذه البلد والتي بإمكانها التغيير الهادئ والأنيق والرقيق فيما هو قادم من الأيام جعل بإمكان المرأة الجزائرية أن تحدث الفرق في الاستحقاقات القادمة  بحضور فعلي في الميدان بانخراطها في العمل السياسي والإدلاء برأيها  دون أي مركب نقص لأنها تمتلك كل المؤهلات لكي تكون عنصرا فاعلا في المشهد السياسي الحالي.

إن المتتبع اليوم للحراك النخبوي والنشاط الجمعوي من خلال قنواته المتمثلة في المنظمات الجماهرية والجمعيات الناشطة والنائمة والتي هي في سبات شتوي وحتى صيفي يقف على حقيقة لا يريد الكثيرون الاعتراف بها خاصة هؤلاء المشككين أن الدولة الجزائرية لا يمكن أن تكون محل لوم أو انتقاد لأنها ببساطة قد سخرت كل الآليات القانونية والأدبية والوسائل اللوجستيكية والمحفزات لجميع الجزائريين وفتحت الباب أمام كل الفاعلين السياسيين والتشكيلات السياسية بمختلف انتماءاتها وتكتلاتها واديولوجياتها للمشاركة من أجل الصالح العام ومن أجل تكريس مبادئ الجمهورية الجزائرية الديمقراطية التي سطرها بيان أول نوفمبر بالعمل النضالي والسياسي وممارسة الحريات التي نص عليها الدستور في إطار شفاف وديمقراطي يحفظ للأمة كيانها ووجودها ويجنبها الدخول في معارك خاسرة تعيق المسار التنموي والإقلاع الاقتصادي المنشود في هذه الظروف الاستثنائية الخطيرة..

لا يمكن إذا اتهام مؤسسات الدولة بالتقصير في حين أن الكرة في يد المناضلين، والسياسيين عليهم بثقافة جديدة  تساير المرحلة  الحاسمة لأنه عندما يصبح النضال والمنصب هو الغاية وتحقيق المصالح الضيقة والثراء هو المقصد  لن نتقدم. وعندما يصبح النضال والمعارضة مرادفا لحساب بنكي وعزوة وعروشية وجهوية مقيتة لن نحقق التغير، وما نراه اليوم من غسيل متسخ منشور ومبتل ومنقوع ومتعفن أبطاله نماذج بشرية لماركات سياسية أغرقت السوق بالرداءة وجعلت الجزائري يعزف عن الاقتناء والشراء ويكتفي بالصمت إن فيهم (المعارض والمؤيد والراقص بين الحبلين والمستحي والمتربص والصامت والثرثار والغائب والمغيب والمستتر والمنافق والمتملق  والمعتكف والمبادر و والمتردد..) وكل هذا يغنينا عن السؤال تعففا واستنكارا..

المؤكد أن المرأة الجزائرية على موعد تاريخي ومصيري، موعد الانتخابات القادمة وقدرها أن تسعى إلى  ضمان تواجدها وتمتين قواعدها ورواسيها لأنه حقها الطبيعي في خدمة الوطن إنها مدعوة للتواجد بقوة في القوائم الانتخابية لأنها تملك من المؤهلات ما يجعلها قادرة على العمل السياسي المسؤول والجاد، مدعوة إلى الإدلاء بصوتها يوم الانتخاب بدون أية وصاية، عليها اليوم أن تقف وتصطف مع بنات جلدتها  لتدفعها إلى الأمام. ولكي تنافس الرجل في خدمة الوطن. ماذا سيتغير لو أن القوة الناعمة هي من تأخذ زمام الأمور وتسير عددا كبيرا من الجماعات المحلية؟؟؟

بالتأكيد سوف تبين عن إمكانيات كبيرة في حسن التسيير والتدبير وعبقرية فطرية في الاستماع إلى انشغالات المواطنين وسعة صدر للمشاركة في تحقيق التنمية المحلية وتحصيل الثروة بطبيعة الحال بمساعدة حكيمة من أخيها الرجل، وأظن أن أمثلة نجاح المرأة في المناصب الهامة والحساسة كثيرة عند أمم سبقتنا في العلم والتطور والتجربة الديمقراطية ومثال ذلك أنجيلا ميركل في ألمانيا، روز غوتمولر نائبة الأمين العام الحلف الأطلسي، كريستينلاغارد رئيسة صندوق النقد الدولي ورئيسة البرازيل، وغيرهن كثيرات..

لقد اتفق الجميع أن المرأة كائن جميل خصه الخالق بكثير من القدرات والخصوصيات  والذكاء أولهم  فلا تشوهوا الصورة بنماذج غريبة وبعيدة عن واقع المرأة الجزائرية، فقبل أن نستهدف المرأة في العاصمة وكبريات المدن الجزائرية فإن الرهان اليوم هو المرأة في كل جهات الوطن تلك التي تعيش على عمل بسيط في حقل تقتات منه والعاملة في المصانع والمعامل الوطنية هي تلك المعلمة التي تقطع عشرات الكيلومترات في البوادي والمناطق النائية لتؤدي رسالتها النبيلة، هي تلك الفتاة التي تتطلع إلى مستقبل أفضل، هي تلك وتلك وتلك، كلهن متعلمات أو بمستوى متواضع مكونات ومتخصصات أو بمهارة يدوية حرفية..

لا نريد نماذج تسقط علينا من السماء تقرأ علينا كلمات ليست كالكلمات كتبها صاحب قلب مكلوم يصيح ماذا فعلت حسناء بقلب شيخ متعبد ثم  تلحقها بتحليل علمي دقيق وتخضعها للمنهج التجريبي لتكون نظرية علمية يستفيد منها الشعب الجزائري، أي هراء هذا وأي نرجسية هاته؟ ما دخلنا نحن في زواج فاشل؟ ما يهمنا نحن في رسائل بين طليقين هل يدخل هذا في العمل النضالي والتوعوي للمرأة أم أنه سيساهم في رفع سعر البترول وسوف يملئ صناديق التقاعد المفلسة وأنها ستكون شعار  لبعث السياحة الوطنية أو النموذج الأخر الذي يمكن لصاحبته أن تسير عشرة دول لوحدها وهي وسطية المشرب لا بيضاء ولا سوداء رمادية هي حتى تبزغ شمس الانتخابات ويتبين الخيط الأبيض من الأسود؟

نريد نماذج لمناضلات جزائريات مخلصات للوطن عشقهن للوطن أولا وغرامهن للوطن ثانيا، محاربات حرائر تشبهن جميلات أول نوفمبر، تسمعن نداء الجزائر فتليين حاضرات مثلما فعلت أيام الثورة، لم تنتظر إذن أبيها أو زوجها أو أخيها.. خرجت من تحت عباءة الوصاية الأسرية والأعراف المحافظة وانخرطت بكل قوتها في هياكل الثورة دون مركب نقص عملت في التمريض والاستعلامات والتعليم وحملت السلاح فكانت قوة الثورة الناعمة بامتياز، واليوم مستعدة إذا سمعت نداء الجزائر وجد الجد  أن تكون القوة التي تغير وتزيح من أمامها كل شيء ميت لتزرع الحياة والجمال والأمل في الغد الأفضل.

مقالات ذات صلة