-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مؤسسات وبيوت وسيّارات مزوّدة بأنواع حسّاسة

الكاميرات الرقمية.. الجزائريون تحت المراقبة

وهيبة سليماني
  • 14382
  • 1
الكاميرات الرقمية.. الجزائريون تحت المراقبة

اقتحمت الكاميرات الرقمية حياتنا، ولم تعد شوارع المدن ومحلاتها ومؤسساتها، خالية من عدسة هذه التقنية التي تزداد تطورا يوما بعد يوم، وفي مقابل ذلك ظهر هوس التصوير وانتهاك حرية وخصوصية الآخرين من خلال كاميرات مختلفة الأشكال والألوان، والأحجام.. كاميرات الهواتف النقالة، كاميرات ساعات اليد والنظارات، وكاميرات السيارات، وأخرى أكثر حساسية، بحجم حبة أرز أو قمح أحيانا، إلى درجة أنّ بعض الجزائريين “غرقوا” في مراقبة أنفسهم خوفا من أي حركة أو سلوك قد تلتقطه كاميرات مزروعة هنا أو هناك!

بهلولي: الإعلان عن وجود “الكاميرات” يعفي صاحبها من العقوبة

وبرزت في المجتمع الجزائري مؤخرا، ظاهرة “مطاردة الحدث”، باستعمال الكاميرات، فرغم توقيف أجهزة الأمن بعض المجرمين، والمتسببين في حوادث مرور، أو سرقات، واعتداءات، من خلال تصوير وتوثيق لحظة وقوع الحدث بكاميرات الهواتف النقالة، ونشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي”فايسبوك” و”اليوتوب”، مثلما حدث مع شاب تسبب في حادث مرور مروع شهر جوان 2020، على مستوى الطريق المؤدي إلى زرالدة، فإن الأمر اليوم لم يعد يقتصر على استعمال الكاميرا في تصوير الحوادث فقط.

حنطابلي: انتشار الكاميرات أحدث “مجتمع المراقبة”

وإذا كان الاهتمام بآخر الاختراعات المتعلقة بالكاميرا، وتقنياتها الجديدة، وأشكالها وأحجامها الصغيرة، يستهوي شريحة واسعة من الجزائريين، بهدف مراقبة سياراتهم، ومنازلهم ومحلاتهم، فإن هذه الوسيلة في التصوير باتت عينا أخرى أكثر دقة وقدرة على التقاط الهفوات والعورات، والتجسس على الآخرين، دون أن يتفطن إلى وجودها ضحايا الفضاءات والأماكن المراقبة بهذه التقنية.

مصالح الأمن تطارد “مهربي” الكاميرات الحسّاسة

وأدّى الاهتمام بالكاميرات كضرورة للمراقبة في المؤسسات العمومية، والخاصة والمحلات التجارية، وأمام بعض البيوت والفيلات، عبر الطرقات، وفي إطار قانوني مبني على ترخيص السلطات المعنية، إلى انتعاش سوق الالكترونيات من خلال الإقبال على شراء كاميرا تحمي من السرقة وتؤمّن الممتلكات، وترصد المخالفات والاعتداءات، وحوادث المرور، والجرائم.

ولكن هناك من الجزائريين من يبحث عن الكاميرات في السوق الموازية، التي قد تعرض أحيانا نماذج حساسة وبدقة عالية، يمكن وضعها داخل البيوت، في زاوية من الغرفة أو صالون الاستقبال دون أن تلفت الانتباه، وتوجد كاميرات بانورامية في شكل مصباح مضيء باتصال مباشر على الهاتف الذكي لمراقبة المنازل، والمحلات والمكاتب، إلى جانب ذلك عرفت كاميرات السيارات إقبال كبير من طرف السائقين خاصة أصحاب مركبات نقل البضائع و”الطاكسي”، قصد حماية أنفسهم وتسجيل المخالفات المرورية.

وتقف مصالح الأمن بالمرصاد لمختلف التجاوزات التي قد تسجل في هذا السياق حيث تمكنت الفرقة الإقليمية للجمارك بولاية الوادي، نهاية شهر جانفي الماضي، وفي إطار مكافحة التهريب، من حجز 2220 كاميرا رقمية حساسة مهربة، ودون سند قانوني، كانت محملة على متن شاحنة مموهة، كما قضت محكمة سيدي محمد شهر جويلية الماضي، بتسليط عقوبة تتراوح بين 4 سنوات و5 سنوات حبسا نافذا ضد 4 إطارات في الجمارك، عن قضية حجز استيراد كاميرات مصنفة ضمن أجهزة حساسة، عددها 2000 كاميرا وهي غير مطابقة لفاتورة الاستيراد وغير خاضعة لرخصة وزارة الدفاع الوطني، منها 1230 مصنفة ضمن قائمة الأسلحة.

وقال في ذات السياق، الخبير الاقتصادي الدولي، عبد المالك سراي، إن بعض الكاميرات التي تباع خارج السوق الموازية، لا تخضع للترخيص من طرف السلطات المعنية، ويجلبها، حسبه، أصحاب “الكابة، أو تهرب بطرق ملتوية، وهي تهدد الحياة الشخصية للأشخاص، وتتعدى على حرية الآخرين.

وأكّد المتحدث أنّ سوق الكاميرات المرخصة من طرف وزارة الدفاع، عرف انتعاشا في الآونة الأخيرة، حيث هناك في بعض المدن الجزائرية الكبرى مسحا كاملا للمراقبة التقنية، وهذا يمكن أن يساهم في الاقتصاد والأمن معا.

ويرى الخبير الاقتصادي أن التطور الحاصل في الكاميرات، بأشكالها وبأحجامها الدقيقة يمكن أن يوسع انتشارها لدى تجار لا يملكون ترخيصا ببيعها، حيث دعا إلى سنّ نصوص قانونية جديدة تتعلق بتحديد كيفيات وضوابط استيراد هذه الكاميرات.

التطور السريع للكاميرات يهدد خصوصية الجزائريين

وفي هذا السّياق، أوضح خبير المعلوماتية، الدّكتور عثمان عبد اللّوش، في تصريح للشروق، أنّ الاستعمال غير القانوني للكاميرات ينتشر بين الجزائريين، في ظل تواجد كميات من هذه الأجهزة مهربة عبر تجّار “الشنطة”، أو تقنيات جديدة في بعض الأجهزة الالكترونية، يمكن من خلالها مراقبة الأماكن، والتجسس على الآخرين.

وأكّد عبد اللّوش وجود كاميرات بحجم نصف سنتيم واحد، لا يمكن الانتباه إليها، كما يمكن حسبه، استعمال كاميرات الهواتف النقالة، وكاميرات موجودة في النظارات، وساعات اليد، واستعمال كاميرات الحاسوب بالبث المباشر للهاتف النقال، حيث يرى أن عالم الكاميرات لا يمكن أن يحتويه القانون، مثلما حدث حسبه مع” الفاكس” الذي لا يوجد له قانون ينظمه.

وبحسب عبد اللّوش، فإن قانون منح التراخيص لتنصيب كاميرا سواء في المحلات أو أمام السكنات، عملية معقدة فبعد ترخيص وزارة الدفاع، يأتي الترخيص من وزارة البريد والاتصال ووزارة الداخلية، وهذه خطوة قانونية، لم تساعد البعض الذين يلجؤون إلى السرية في تنصيب الكاميرات غير مرخصة والخفية.

وقال المختص في المعلوماتية، عثمان عبد اللّوش: “إن هنالك من الشباب من يملكون تقنيات يمكن من خلالها تصوير خصوصية الآخرين، في الوقت الذي يوجد من لا يعرفون حتى هواتفهم الذكّية كيف تعمل”.

لا “كاميرات” دون ترخيص.. ولو وضعت داخل غرفة النوم!

وحول ذات الموضوع، أكّد أستاذ القانون بكلية الحقوق ببن عكنون، المحامي إبراهيم بهلولي، أنّ أمر تنصيب الكاميرات وبطرق خفية وغير مصرح بها يتعلق بالجريمة التي يمارسها هؤلاء عن طريق التقاط صور وفيديوهات لضحايا بهدف فضحهم أو تهديدهم، أو التجسس عليهم، وانتهاك حياتهم الخاصة، موضحا أنّ القانون الجزائري يمنع استعمال كاميرات المراقبة داخل البيوت ولو كانت داخل غرفة النوم، دون ترخيص من السلطات المعنية، حتى لو كانت بهدف حراسة السكنات وحماية الممتلكات من السرقات.

وقال بهلولي، أنّ بإمكان أي شخص تقديم شكوى لوكيل الجمهورية في حال تصويره بالكاميرا قبل أن يعلم بوجودها، ويمكن أن يكون الشاكي أحد أفراد العائلة المتواجدة في نفس المنزل الذي وضعت فيه كاميرا المراقبة.

وأشار المحامي إبراهيم بهلولي، إلى أنّ استعمال الكاميرات في السّيارات أو المنازل قد يكون سريا ولا يمكن أن يعرض أصحابها للمتابعات القضائية، ولكن يصبح ذلك جريمة ومخالفة للقانون في حال تواجد ضحايا تقدموا بشكوى للعدالة، حيث أنّ حتى الضيوف والأقارب والأصدقاء الذين يجلسون في قاعة الاستقبال وتلتقط حركاتهم كاميرات دون علمهم، ويكتشفون الأمر فيما بعد، لديهم حق الشكوى ضد صاحب المنزل.

وأكّد بهلولي أن الكاميرا عبارة عن آلة تصوير، والتصوير ممنوع بدون موافقة الشخص، ويعاقب عليه في المادة 303 مكرر من قانون العقوبات الجزائية، موضحا أنّ التعرض للتصوير بالكاميرا دون علم يعتبر تعديا على الخصوصيات، لكن لا يوجد، حسبه، نص صريح لأن هناك قواعد عامة، لا تحدد بعض الجوانب المتعلقة بالكاميرا وأماكن وطرق استعمالها.

ويفرض القانون عموما، بحسبه، شروطا قبل وضع كاميرا المراقبة في مدخل الفيلا أو السكن، منها احترام مسافة كافية تسمح بعدم المساس بحرية الجيران أو تصوير خصوصياتهم، أو الحيز الخاص بهم، كما يشترط على التجار أن يعلموا الزبائن، بتواجد كاميرا في محلاتهم، أو أن يكتبوا ذلك على لائحة ينتبه إليها الزبون عند الدخول.

ودعا أستاذ القانون، إبراهيم بهلولي، إلى مزيد من القوانين، التي من شأنها تشجيع ضحايا التصوير على رفع شكاوى لدى الجهات القضائية والأمنية.

وقال: “إن هنالك أجهزة مراقبة أمنية تستعمل في متابعة المجرمين، والتجسس، لا يمكن أن تكون في متناول الأشخاص العاديين الذين قد يستعملونها في ابتزاز المواطنين، والتقاط هفوات وكشف عورات الآخرين”.

انتشار الكاميرات يهدد بهوس المراقبة الذاتية والمجتمع المنغلق

ويرى أستاذ علم الاجتماع، الدكتور يوسف حنطابلي، أنّ تأمين المحيط من خلال الكاميرات سلوك مرتبط بالمجتمعات الحديثة، حيث لا ينجو شبر من مراقبة الكاميرات في كبريات المدن، فهذه الأجهزة مرتبطة بتنظيم مؤسساتي، يوثق للظاهرة والحدث واللحظة، ويحمي من السرقات والاعتداءات ويراقب سير العمل وبعض النشاطات.

ولكن، حسب حنطابلي، ظهر ما يسمى بـ “مطاردة الحدث” عن طريق الكاميرات، أو ما يعرف بـ “مجتمع المراقبة” الذي ولّد هوس التصوير ومتابعة خصوصيات وعورات الآخرين، والتجسس والفضول، والمساومة، مضيفا أنّ الظاهرة لا تتعلق بالفعل في حد ذاته، بل في وسائل جديدة متطورة وأكثر دقة، فبعض الظواهر نفسها موجودة اجتماعيا وثقافيا، لكن الكاميرا عزّزتها، وسهلت ممارستها كعين أخرى أكثر ذكاء ودقّة يمكنها مراقبة أي حركة أو سلوك أو قول.

وأكّد الدكتور يوسف حنطابلي، أنّ المراقبة بالكاميرات في كل مكان، خلقت ما يسمى بالعبودية الطوعية، خاصة في أماكن العمل، وساهمت في التوجه نحو المجتمع التقليدي المغلق، من خلال انغلاق في شكل مفتوح.

وقال المتحدث إن بعض الجزائريين وبانتشار كاميرات المراقبة، أصيبوا بهوس المراقبة الذاتية، خاصة الشخصيات والمشاهير، والسياسيين، وأصبحوا يشكون في كل شيء، إلى درجة الانغلاق الذي كانت تشهده المجتمعات التقليدية الخاضعة لنظام القبيلة والعشيرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عادل

    يجب تعميم الكمرات في الاماكن العامة