الرأي

الكبار يلتهمون “قوت” الصغار

عندما قالت السلطة في زمن البحبوحة المالية، أن عملية كنز الأموال والذهب وتضخيم احتياطي الصرف، حتى قارب رقم المئتي مليار دولار، إنما من أجل الأجيال القادمة، لا أحد عارض هذا المسعى، الذي كان ظاهره قمة المسؤولية، وخوف الكبير على الصغير أو الحاضر على المستقبل، وعندما قالت السلطة في زمن البحبوحة المالية أيضا، أنها تمكنت من مسح ديون سنوات الضياع الاقتصادي والاجتماعي والأمني التي عاشتها البلاد، هلّل البعض واعتبروا ما حدث معجزة اقتصادية جعلت البلاد المخنوقة بالديون حرّة تطير حيثما شاءت، وعندما قالت السلطة وزخات النفط تبلّل شوارعها، بأن ما قدمته من إنجازات وعلى رأسها الطريق السيّار، وهذه المدن الجديدة المترامية الأطراف، إنما من عبقريتها وقيادتها الرشيدة، هلّل البعض، وسكت البقية تحت مسكّن المال، إلى أن صحا الجميع على الحقيقة، واتضح بأن الكبير الذي كان يدخّر مال الصغار، قد التهم في بضعة أشهر أكثر من 26 مليار دولار، وبلغة الدينار الجزائري أكثر من ستين ألف مليار في ظرف ستة أشهر فقط، بمعنى أن هذا المال الذي قالت السلطة بأنه ملك للصغار، يتمتعون به عندما يكبرون، سيتبخر نهائيا قبل أن يُفطموا، والكلام هنا مترجم من أرقام قدّمها محافظ بنك الجزائر محمد لكصاصي، الذي ستكون كل خرجاته الإعلامية القادمة، من أجل إعطاء أرقام تتناقص إلى أن تصل إلى الصفر، وقد يكون موعد بلوغ هذا الرقم في القريب العاجل، وليس بعد سنتين كما تكهن المتفائلون.

التهام الكبار لقوت الصغار، لن يتوقف عند مدّ اليد والقدم، لاحتياطي الصرف الذي كان مفخرة النظام، وإنما سيتجه بالصغار نحو خنقهم بالديون الخارجية، وإذا كانت السلطة في عهد الشاذلي بن جديد، قد مدت يدها للاقتراض، وراهنت على تحسن أسعار النفط في المستقبل، فإن هذا الرهان باطل هذه المرة، لأن دخول الطاقات البديلة والغاز الصخري للولايات المتحدة الأمريكية، سيجعل من المحافظة على السعر “الثلاثيني” الحالي من المستحيلات، فما بالك برفعه، أما عن عودة المشاريع المرسومة على الخرائط والموضوعة في أدراج مكاتب مختلف الولايات، فقد تصبح أرشيفا لأحلام عاشها الناس فقط.

مشكلة الجزائريين من سلطة وشعب، أنهم فهموا من كلمة التقشف، معناها الاقتصادي الغربي، الذي يعني انتهاج الحكومة لسياسة ترمي إلى خفض الإنفاق العام، فحاولوا أن يسيروا على نهج اليونانيين والبرتغاليين، بالرغم من أن الجميع يعلم بأن مدخول الدولة من المال انخفض بنسبة تزيد عن الثمانين بالمئة، وحتى كلمة التقشف بمعناها الاقتصادي تدعو الدول والشعوب للعمل واستغلال الزمن كله، والمكان كله، من أجل خلق الثروة، ولن يؤدي التقشف على الطريقة الجزائرية من خلال الكفّ عن أكل “الكيوي والكافيار” وسياقة “المرسيدس” وقضاء العطل السنوية في الخارج -على حد إشارة السيد بن خالفة- إلى أي نتيجة، إذا لم تنطلق البلاد في مشروع أمة حقيقي لا يأكل فيه الكبير قوت الصغار، ولا يصدّق الصغار “خرف” الكبار.

مقالات ذات صلة