الجزائر
الدخول المدرسي بين المتاعب والآلام والحنين إلى أيام زمان

الكوليرا والعدوانية وغموض الإصلاحات تخيم على المنظومة التربوية

صالح سعودي
  • 2406
  • 14
ح.م
ماذا فعلت وستفعل بن غبريط بالمدرسة؟!

وضعت العائلات الجزائرية آخر اللمسات المادية والمعنوية، لعودة أبنائهم إلى أجواء الدراسة، ومشاركتهم أجواء افتتاح الموسم الدراسي الجديد، موسم يتمناه الجميع أن يكون موفقا ومتوجا بالتحصيل العلمي المفيد، وهذا بصرف النظر عن الاضطرابات التي تعرفها المنظومة التربوية في الجزائر، بسبب الصراعات الخفية والمكشوفة، بناء على عوامل لغوية وأخرى إيديولوجية، ناهيك عن متاعب أخرى، في ظل التخوف من خطر داء الكوليرا وكذا ظاهرة العدوانية التي خيمت على المحيط المدرسي خلال المواسم الأخيرة.

ستكون العائلات الجزائرية والقائمين على المدرسة الجزائرية أمام تحديات بالجملة خلال الموسم الدراسي الجديد، وهذا في ظل الكثير من المشاكل التي تطفوا في كل مرة إلى السطح، من ذلك المظاهر السلبية التي باتت تسود المحيط المدرسي، بدليل تراجع مستوى التحصيل العلمي والدراسي من جهة، وانتشار ظاهرة العدوانية التي أصبحت بمثابة هاجس التلاميذ والأولياء والأساتذة وجميع القائمين على العمل التربوي، ناهيك عن المتاعب المادية التي أثقلت كاهل الأولياء، ما جعل اقتناء الأدوات المدرسية ولوازم أبنائهم بات يصنف في خانة التحديات الكبرى، موازاة مع صائفة مليئة بالمتطلبات وقليلة من حيث المداخيل، والبداية بتكاليف العطلة الصيفية، مرورا إلى اقتناء أضحية العيد، ووصولا إلى اقتناء ألبسة ولوازم الدخول المدرسي، في الوقت الذي ينظر مختصون بعين القلق إلى واقع المنظومة المدرسة التي لا تسر حسبهم على حال، بسبب تكريس ما يصطلح عليه بالإصلاحات التي باتت تفرضها جهات خفية تريد ان تجعل من المدرسة الجزائرية حقل تجارب، ما تسبب في حدوث اضطرابات كثيرة في هذا الجانب، من ذلك قضية إدراج العامية وصولا إلى حذف البسملة من الكتب المدرسية وانتهاء بمحاولة فرض اللغة الفرنسية مقابل تعمد تهميش وتقزيم العربية والانجليزية وحتى مادة التربية الإسلامية، وغيرها من الممارسات التي باتت تشهدها المنظمة التربوية أكثر من أي وقت مضى.

شتّان بين واقع التعليم في عهد بن غبريط وأيام المدرسة الأساسية

يُجمع المتتبعون للشأن التربوي في الجزائر على أن الكثير من المعطيات تغيرت مقارنة بسنوات السبعينيات والثمانينيات على الخصوص، ففي الوقت الذي كان يخيم على التعليم قديما عاملي البساطة والجدية، واحترام كل طرف لحدوده، إلا أن واقع المنظومة التربوية قد عرف في المدة الأخيرة خللا افقدها هيبتها وهويتها، حيث تحولت إلى حقل للتجارب، ناهيك عن الصراعات والاضطرابات التي تعرفها كل موسم، ما جعل الانضباط وأولوية العلم توضع في آخر الاهتمامات لدى الكثيرين، وهذا على خلاف الفترات السابقة التي يصفها البعض بأيام الزمن الجميل، حين كان التلميذ يمر على الكتاتيب القرآنية لتعزيز ملكة حفظ كتاب الله، ومعرفة القراءة والكتابة، حتى يكون جاهزا لمرحلة التعليم في المدارس الابتدائية، ناهيك عن نوعية البرامج الإذاعية والتلفزيونية المقدمة آنذاك، حيث أن الكثير ممن درسوا في فترة السبعينيات والثمانينيات يتذكرون بشيء الحنين الرسوم المتحركة الهادفة التي كانت تساهم في تعزيز التحصيل اللغوي والتربوي، على خلاف المسلسلات الكرتونية الحالية التي تميل إلى تكريس العنف والعدوانية، وتخريب ملكة في ظل اللجوء إلى لهجات عامية لا تخدم التلميذ في شيء، كما يتذكر تلاميذ الأمس الحصص التلفزيونية الشيقة رغم قلتها، على غرار الحصة التربوية “الحديثة الساحرة” بقيادة “ماما نجوى”، ونكت الفكاهي الراحل حديدوان الهادفة.

هكذا كان يستهل الجزائريون الموسم الدراسي أيام زمان

ويرى المخرج والممثل المعروف علي جبارة، أن جيله كان يستهل مسيرته مع العلم من بوابة الكتاتيب والمدارس القرآنية قبل الالتحاق بالمدرسة التعليمية، ولم يخف فرحته بخصوص أول يوم يدشن فيه المدرسة برفقة والده رحمه الله، مشيرا أن ذلك اليوم سيظل راسخا في ذاكرته، مؤكدا أن الأمر يختلف عن جيل اليوم الذي يستهل الدراسة مع الحضانة والتحضيري، أما الإعلامي والصوت الإذاعي المتقاعد خليفة بن قارة فيقول في هذا الجانب “أنا لم أعش الدخول المدرسي كما عاشه الأطفال العاديون، فقد دخلت المدرسة على كبر، انتسبت إلى مدرسة حرة لمدة عام، واستطعت مع نهاية العام أن أنال الشهادة الابتدائية والفوز بالسنة السادسة (سيزيام سابقا للسنة الدراسية 69/70)، وتُعتبَر هذه السنة أول عام لي في المدرسة النظامية التي كانت حلما أفرحت به طفولتي المتعَبة”، وفي السياق نفسه يسرد الأستاذ البشير بوكثير من راس الواد ذكرياته في إطار ما يصفه ب الزمن الجميل فيقول “حين وطئت قدماي لأول مرّة مدرسة الذكور “شنوف رمضان” حاليا بمدينة رأس الوادي بالبرج، أذكر أنّي كنتُ مرتبكا خجولا وأنا ألِجُ بابَ القسم -الذي لا يزال على حالته العتيقة- حيث جلستُ في الطّاولة الثانية مع تلميذ لا أزال أذكره جيدا، وكان بدوره أكثر خجلا مني، نظر المعلم إليّ نظرة أفزعتني ثمّ وبّخني بقسوة لأنّي أرتدي حذاء مطاطيا من نوع “بوطاغاز” وقشّابية بنيّة اللون نسجتها لي والدتي حفظها الله، وقد كنتُ حديث عهدٍ برؤية المدينة، مندهشا وأنا أرى تلاميذ كثيرين فقراء مثلي، وعدد قليل فقط ممن يرتدي أفخر الألبسة والأحذية، كنتُ أشعر بخجل جرّاء هذا التّفاوت الطّبقي والمعيشي، وما حــزّ في نفسي كثيرا سلوك هذا المعلّم مع طفلٍ بريء بحاجة إلى حضن دافئ”، وختم الأستاذ البشير بوكثير بالقول: “أهيب بزملائي المربين معاملة التلاميذ برفق وأناة وحلم، لأنّ المعاملة الحسنة هي من تصنع الشّخصية السّويّة”، متمنيا موسما ناجحا ومميزا لجميع تلاميذ الجزائر.

دعوة إلى تجند الأولياء وتحذيرات من تواصل استهداف المنظومة التربوية

وبعيدا عن متطلبات الدخول المدرسي الذي يفرض تجند جميع الأطراف الفاعلة، فإن بعض أهل الخبرة لم يتوانوا في دعوة الأولياء والأسر الجزائرية إلى المساهمة في تحضير الأبناء من الناحية النفسية، والحرص على حسن تنشئتهم وتحفيزهم على طلب العلم، بحكم ان الأسرة أول مدرسة للطفل، واعتبر البعض بان البيت تعد بمثابة المختبر التربوي العملي الذي يمارس فيه التلاميذ جميع أشكال وألوان الأخلاق الاجتماعية القولية والفعلية، داعين الٱباء والأمهات إلى أخذ الحيطة والحذر من الشارع وحتى من الجيران، وقال الأستاذ أحمد شاطري في هذا الجانب: “البيت حتما هو المدرسة الأولى، فالأطفال إنما يكتسبون الغذاء الروحي الخلقي كما يمتصون الغذاء البدني، وإنهم يرثون طباع والديهم كما يرثون صورهم وأشكالهم .يظن كثير من الٱباء والأمهات أنهم بتوفير المسكن والملبس والمطعم قد أدوا كل ما يجب عليهم، إنه اعتقاد خاطئ، فما هكذا تبنى الأجيال وهي بالأساس رأس مالنا لأن بناء الإنسان هو الأساس”، من جانب آخر، لم يتوان الأستاذ الجامعي بومدين جلالي في تنبيه الجميع إلى بعض الممارسات التي تستهدف المنظومة التربوية، حيث قال في هذا الجانب: “لا يفوتني أن أنبه إلى أن المشروع التربوي لوزيرة التربية الحالية السيدة نورية رمعون بن غبريط يمثل خطرا كبيرا على مستقبل أبنائنا وبناتنا، كما يمثل أيضا الخطر نفسه على المدرسة الوطنية الجزائرية ذات التأسيس على الروح النوفمبرية التي كتبها شهداؤنا الأبرار بدمائهم الزكية، كما يمثل كذلك الخطر ذاته على الهُوية الوطنية الجزائرية برمّتها دينأ ولغةً وانتماءً وقيماً”، محذرا إلى نوايا التركيز على تبعيته لفرنسا الاستعمارية رغم تقهقر مدرستها حسي قوله لغوياُ ومعرفياُ وسلوكياُ، بالإضافة إلى تراجع مكانتها عالميا وأوروبيا، وحتى على مستوى البلدان الغربية اللاتينية المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط، مؤكدا على ضرورة التجند ومحاربة كل من يريد استهداف المنظومة التربوية بأساليبهم وسياسيتهم التغريبية الضيقة.

مقالات ذات صلة