الجزائر
فرضها التوقيت الجديد وأضحت فرصة للتفاخر

“اللمجة” تُكرّس الطبقية والتفاوت الاجتماعي في المدارس

سمير مخربش
  • 1655
  • 7
أرشيف

تحولت اللمجة إلى رفيق دائم للتلاميذ في المدارس، وخلقت نوعا من الطبقية والتمييز بين العائلات التي حوّلت بعضها الوجبة الى فرصة للتنافس والتباهي والتفاخر أمام أبناء الفقراء الذين يشتهون الطعام بأعينهم ولا يصل الى ألسنتهم.

التوقيت الجديد الذي فرضه الوباء على المدارس يعني بقاء التلميذ داخل القسم لمدة أربع ساعات متتالية، وبالنظر لسنه فهو لا يحتاج فقط للراحة بل للطعام ليسد الرمق ويكمل هذه المدة الطويلة في أحسن حال، ولذلك أصبحت اللمجة عادة يحضرها أغلبية الأولياء لأبنائهم، ومن خلال حديثنا من المعلمين والأولياء فإن اللمجة دخلت كحلقة ضرورية في البرنامج اليومي ولها توقيتها الذي يكون في الصباح على الساعة العاشرة وفي المساء على الساعة الثالثة، فيخصص للتلاميذ مدة 10 دقائق للراحة ويؤذن لهم بإخراج ما في جعبتهم من أطعمة اختلفت أذواقها وألوانها.

وتجنبا للاحتكاك فإن الاستراحة تكون داخل القسم الذي يتحوّل في هذه الفترة إلى مطعم تُعرض فيه الأكلات وتختلط فيه روائح الوجبات، وبالنظر لما يطرحه التلاميذ فوق الطاولة فإن الأكلة تعكس المستوى الاجتماعي لكل تلميذ، فبالنسبة للطبقة المتوسطة فإن اللمجة تتكون من قطعة خبز بالجبن أو البيض وكعك وفواكه تتنوع بين الموز والبرتقال قد تعوضها علبة ياوورت، وهي العناصر الأكثر انتشارا على العموم في اللمجة المدرسية، وبما أن البيض ارتفع سعره في الأيام الأخيرة فقد انسحب بشرف من محفظة التلميذ وأضحى الجبن والخبز العامل المشترك بين أغلبية التلاميذ، وهي الظاهرة التي تجدها خاصة في المدارس التي تقع وسط الأحياء الشعبية، بينما الفارق يظهر إذا كانت المدرسة تتوسط أحياء تجمّع بين الفيلات والسكنات الاجتماعية فهنا تبرز لمجات خمسة نجوم والتي تكون وافية وكافية وشافية، حيث يؤكد لنا أحد المعلمين بأن هناك من يحضر معه وجبة الأكابر المتكونة من قطع اللحم والدجاج المحمر والنقانق والبيض والسلطة المتنوعة والعصير والياوورت وأنواع من الكعك والحلويات والعصائر والفواكه وأحيانا حتى المكسرات، وهي الوجبات التي توضع في آنية خاصة وما يسمى مجازا باللمجة تجده أفضل من وجبات الطائرات يستعرضها التلميذ أمام زملائه في لحظة فخر ورياء تعكس التفاوت الاجتماعي بين التلاميذ. ويكفي أن ترى مشهد تلميذ أحضر معه كل أنواع الأطعمة بمقبِّلاتها وتحلياتها وعصائرها وجاره في الطاولة لا يملك سوى قطعة خبز بالمعجون لتعلم أن اللمجة عامل مهم في تكريس الطبقية في المجتمع.

والصورة تزداد سوءا إذا علمت أن هناك تلاميذ لا لمجة لهم ولا طعام وفي محافظهم لا تجد سوى بعض الأدوات، وكلما وقعت أبصارهم على أصحاب الوجبات الدسمة تكاد أعينهم أن تفيض من الدمع لأنهم يشتهون ولو جزء من تلك الوجبة ولا يجدونها حتى في منازلهم. فبين خبز بالمعجون واللحوم الحمراء والبيضاء قصة ظلم وجملة من التساؤلات لا يجد لها الطفل إجابة واحدة. وكم من ولي أحسّ بالحرج عندما يخبره ابنه ماذا أحضر زميله من أطعمة في تلك اللمجة الفاخرة. وحسب المختصين من هنا يبدأ الحقد على المجتمع والذي يتغذى بشعور الإحساس بالظلم والقهر الاجتماعي الذي قد يقود الى الانتقام بشتى الطرق أبرزها تكون من وحي الإجرام. ولذلك تفطنت عديد المجتمعات لهذه المسألة فقامت بتوحيد الوجبات وتوحيد اللباس للقضاء على الفوارق الاجتماعية، فالمدرسة مفتوحة للغني والفقير لكن أمام العلم تسقط اعتبارات المال ويبقى الاجتهاد ومعه الأخلاق.

مقالات ذات صلة