الرأي

الله -عز وجل- يدافع عن يهودي

أسوأ أنواع اللائكية في العالم هي اللائكية الفرنسية التي حاربت الأديان حربا لم يحاربها أحد مثلها.. وكان نصيب الإسلام – خاصة في الجزائر- من تلك الحرب أكبر نصيب، وقد استعملت في حربه طرقا وأساليب يحار فيها إمام الماكرين وهو إبليس اللعين..

 

  لقد اقتدى بعض “قادة الدول الإسلامية بهذه اللائكية، وأشربوا حبها، حتى وصلوا إلى تقديسها وتفضيلها على الإسلام، وفرضها على شعوبهم، فصارت هي “الدين” الذي يؤمنون به، ويقدسونه، ويجادلون عنه بالباطل ليدحضوا به الحق..

إن أكبر قادة هذه الدول الإسلامية اعتناقا للاّئكية الفرنسية المتوحشة، وتطبيقا لها، وجدالا عنها أكثر من الفرنسيين أنفسهم في كثير من الأحيان؛ هم قادة تركيا في عهد أتاتورك وخلفائه، وقادة تونس في عهد بورقيبة، الذي لم يستحي فسمّى نفسه “المجاهد الأكبر”، وما ذلك إلا من تزكية النفس التي نهي الله- عز وجل- عنها، لأنها من الجهل الذي هو الحمق، وفي عهد خلفه الذي دخل التاريخ تحت اسم شنيع ووصف فظيع هو “الرئيس” الهارب، خاصة أنه “جنرال” استأسد على العُزّل.. ولو كان جنرالا على الحقيقة لبقي صامدا حتى يبقى في كرسيه أو يموت فيعذر، كما يقول امرؤ القيس.

لقد عمل حكام هذين الدولتين كلّ ما أوحى به إليهما الشيطان لإطفاء نور الله- عز وجل- ولمحو الإسلام من حياة الشعبين التركي والتونسي اللذين أبليا البلاء الحسن في سبيل الإسلام.. ولكنّ الله- عز وجل- أبى إلا أن يتمّ نوره

“الذي لن يخبو”- كما تقول العالمة البريطانية كارين أرمسترونج في كتابها الذي سمته “””“محمد”– عليه الصلاة والسلام- (ص 393).

وهاهما الشعبان المسلمان قد استيقظا من سباتهما، وتنبها من غفلتهما، وتبين لهما الرشد من الغيّ، فتخلصا من تلك “الأصنام” التي “لم تكن تحمل طهر الصّنم”، وعادا تدريجيا إلى الإسلام.. حيث أذلّ الله- القاهر فوق عباده- عن طريق أوليائه وجنوده من الأتراك أولئك الغلاة من عبيد اللائكية (كبار الضباط وكبار القضاة) بواسطة “الصندوق الشفاف” الذي يخشاه المزورون، الغشاشون، المرتشون، الفاسقون، السارقون في كل الأقطار الإسلامية.. وحيث أخزى الشعب التوسني ذلك “الجنرال”، الذي قادته “حفّافة” من ناصيته، ولهذا ما إن جدّ الجد حتى “ولّى مدبرا ولم يعقب”..

هذا المدخل الطويل نوعا ما أوحى به إليّ ما قرأته في جريدة “الشروق” (ليوم 27 – 1 – 2012 ص2) من أن مجلس الدولة في تركيا – أعلى سلطة إدارية وقضائية- أصدر قرارا يسمح بموجبه لمن أرادت من المحاميات التركيات ارتداء الحجاب خلال المحاكمات، بعدما كان ذلك محظورا عليهن، بموجب “كانون” الطاغية أتاتورك..

لقد تحركات بقايا اللائكية في تركيا، ممثلة في “رئيس نقابة المحامين”، الذي تميز من الغيظ، وأرغى وأزبد كالجمل الهائج؛ انتقد قرار مجلس الدولة، وبرر نقده السخيف، كعقله الخفيف، بأن المحامية المتحجبة “لا تستطيع- في فكره الوجيف- أداء مهمتها في الدفاع عن متّهم وهي تكشف عن انتمائها الديني في بلد “علماني”، كبرت كلمة تخرج من فيه، إن يقول إلا كذبا وزورا، كأن اللائكيين أمثاله هم أعدل الناس. وقد ذاق الناس الويلات من قضائهم الظالم، وعانوا الأمرّين من محاكمهم التي لا تفوقها بشاعة وإجراما إلا محاكم التفتيش ضد مسلمي الأندلس، التي نصبها الإسبان في كل مكان.

إن الصفة التي يتميز بها اللائكيون في العالم الإسلامي هي التقليد الببغائي للغرب، ولهذا فهم أجهل الناس بما في الدين الإسلامي من القيم العالية والمبادىء السامية.. ومنها قيمة العدل الذي لا يحول دون إقامته وتطبيقه أي اعتبار ديني، أو عرقي، أو جنسي، أو لوني، أو فئوي..

إن أشد الناس عداوة لله اليهود، وقد تجرأوا على الله- عز وجل- تجرؤا لا مثيل له، فقد قالوا عنه- سبحانه- كما جاء في القرآن الكريم: “إن الله فقير ونحن أغنياء”، وقالوا: “يد الله مغلولة”، وقالوا: “عزير ابن الله”، وقالوا: “نحن أبناء الله وأحبّاؤه..” وهذا كله ظلم في حقه سبحانه وتعالى.. وبالرغم من هذا الظلم الذي لا ظلم فوقه فإنه- عز وجل- دافع عن يهودي كاد رسول الله- عليه الصلاة والسلام- يقيم عليه حدّ السرقة وهو بريء منها، حيث ارتكبها منافق، ولما كاد يكشف رمى ما سرقه في بستان هذا اليهودي، فحكم عليه الرسول- عليه الصلاة والسلام- بالظاهر.

إن الذي أنقذ هذا اليهودي من إقامة حدّ السرقة، وهو قطع اليد؛ إن الذي أنجاه هو الله- عز وجل- الذي أمر بالقسط، حيث أنزل قرآنا كريما يتلى إلى يوم القيامة يبرىء فيه هذا اليهودي، وهو قوله تعالى: “إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما آراك الله ولا تكن للخائنين خصيما…” الآيات 105 وما بعدها من سورة النساء. (انظر تفسير هذه الآيات وأسباب نزولها في كتب التفسير).

لقد علق الشهيد سيد قطب- الذي أعدمته ظلما عدالة اللائكيين- على هذه الآيات الكريمات بقوله: “هذه الآيات تحكي قصة  لا تعرف لها الأرض نظيرا، ولا تعرف لها البشرية شبيها، وتشهد- وحدها- بأن هذا القرآن وهذا الدين لا بد أن يكون من عند الله، لأن البشر- مهما ارتفع تصورهم، ومها صفت أرواحهم، ومهما استقامت طبائعهم- لا يمكن أن يرتفعوا- بأنفهسم- إلى هذا المستوى الذي يرسم خطاًّ على الأفق لم تصعد إليه الشرية إلا في ظل هذا المنهج، ولا تملك الصعود إليه أبدا إلا في ظل هذا المنهج كذلك”.

ويختم الشهيد المظلوم قصب- رحمه الله- تعليقه قائلا: “أي مستوى هذا من النظافة والعدالة والتسامي! ثم أي كلام يمكن أن يرتفع ليصف هذا المستوى؟ وكل كلام، وكل تعليق، وكل تعقيب يتهاوى دون هذه القمة السامقة، التي لا يبلغها البشر وحدهم، إلا أن يقادوا بمنهج الله إلى هذا الأفق العلوي الكريم الوضيء. (انظر: في ظلال القرآن. مجلد 2 ص 751. ص7).

ولهؤلاء اللائكيين المعقدين في عالمنا الإسلامي ويريدون أن يجعلونا أذيالا لأسيادهم الغربيين، الذين لايعجبهم كلام سيد قطب ودعاة الإسلام نسوق ما سطرته كلية القانون في جامعة هارفارد الأمريكية- وما أدراك ما جامعة هارفارد في تقديرهم- على حائط مدخلها الرئيسي- “المخصص لأهم العبارات التي قيلت عن العدالة عبر الأزمان”- وهي الآية 135 من سورة النساء، التي يقول فيها الله- عز وجل: “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط، شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوي أن تعدلوا، وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا”، وقد وصفت الكلية هذه الآية “بأنها أعظم عبارات العدالة في العالم والتاريخ (1)“.

إن الذين يحاربون الإسلام في العالم الإسلامي إنما يحاربونه لأنه دين العدل، وهم لا يحبون العدل، ولأنه دين الحق وهم أصحاب باطل، ولأنه دين مساواة وهم ممن يريدون علوّا في الأرض بغير حق، ولأنه دين الكرامة وهم يريدون أن يهينوا الناس.. ودعك من كلامهم عن الظلامية، والرجعية فتلك أوصافهم رموا بها غيرهم…

ألم يأن لهؤلاء اللائكيين الذين خربوا العالم الإسلامي بآرائهم السقيمة، ودمروه بسياستهم العقيمة أن يقلعوا عن سفههم، ويعودوا إلى الرشد، أم أنهم سيظلون مصرين على هذا السفه؟ اللهم اهدهم فإنهم جاهلون.

 .

هوامش:

 1) جريدة الخبر: 6 / 1 / 2013 ص 23.

 

مقالات ذات صلة