اقتصاد
الإستثمار الفرنسي‮ ‬يلقى معاملة تفضيلية رغم نفوره‮ ‬

اللوبي‮ ‬الفراكوفوني‮ ‬يكبح المشاريع العربية في‮ ‬الجزائر

الشروق أونلاين
  • 13546
  • 0
ح.م

فجر هروب الاستثمارات الأجنبية الكبرى من الجزائر والتحاقها بدول أقل إمكانيات من الجزائر،‮ ‬جملة من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية التي‮ ‬تقف وراء هذه الظاهرة،‮ ‬وبينما‮ ‬يلقي‮ ‬مطلعون المسؤولية على مناخ الاستثمار‮ ‬غير الملائم ويرمون الكرة في‮ ‬مرمى الحكومة بسبب ضعف قدراتها التفاوضية،‮ ‬يؤكد البعض الآخر أن الجدل حول هذه القضية أخذ أبعادا أكثر من حجمه‮. ‬فأين الحقيقة بين هذا وذاك؟ وما حقيقة ما‮ ‬يثار عن نفوذ اللوبي‮ ‬الفرنسي‮ ‬في‮ ‬الجزائر ووقوفه في‮ ‬وجه الاستثمارات العربية‮.. ‬هذه الأسئلة وأخرى سيجيب عنها الملف السياسي‮ ‬لهذا الخميس‮.‬

 

الاستثمار الفرنسي‮ ‬في‮ ‬الجزائر

الزُّبْدة مقابل الزَّبَد‭!‬

أعاد نفور الاستثمار الغربي‮ ‬والفرنسي‮ ‬على وجه الخصوص،‮ ‬من الجزائر،‮ ‬إشكالية التوازن في‮ ‬العلاقة بين الدبلوماسية والاقتصاد في‮ ‬السياسة الخارجية للجزائر‮.. ‬هذه القضية التي‮ ‬كانت من بين الأولويات في‮ ‬ورشات إصلاح الدولة في‮ ‬عهد الرئيس بوتفليقة،‮ ‬باتت اليوم على المحك‮.‬

وجاء إعلان عملاق السيارات الفرنسي‮ “‬بيجو‮” ‬وقبله الصانع الآخر‮ “‬رونو‮” ‬عن إقامة مصنعين لكل منهما على التراب المغربي،‮ ‬ليفجر جملة من التساؤلات حول جدية ما‮ ‬يشاع عن‮ “‬حميمية‮” ‬العلاقات الجزائرية الفرنسية،‮ ‬والتي‮ ‬بلغت برأي‮ ‬المتتبعين أعلى مستوياتها في‮ ‬عهد الرئيس الحالي،‮ ‬الاشتراكي،‮ ‬فرانسوا هولاند‮.‬

لو أعلن عن إقامة مصنعي‮ “‬طنجة‮” ‬و”القنيطرة‮” ‬في‮ ‬عهد الرئيس الفرنسي‮ ‬السابق،‮ ‬اليميني‮ ‬نيكولا ساركوزي،‮ ‬لمر الأمر بسلاسة وتم ابتلاعه بسهولة،‮ ‬بحكم العلاقة المتوترة دوما بين الجزائر وهذا التيار،‮ ‬أما أن‮ ‬يعلن عن المصنعين في‮ ‬عهد الرئيس الحالي،‮ ‬فرانسوا هولاند،‮ ‬الذي‮ ‬يوصف من قبل الكثير من المتابعين بأنه‮ “‬صديق الجزائر‮”‬،‮ ‬فهذا ما‮ ‬يصعب هضمه‮.‬

ويعتبر الاستثمار الفرنسي‮ ‬في‮ ‬صناعة السيارات بمثابة البوصلة الحقيقية للعلاقات الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا،‮ ‬لأن فيه الكثير من السياسة ومن الاقتصاد طبعا،‮ ‬والكثير أيضا من الاستفزاز للطرف الجزائري‮ ‬بحكم خصوصية العلاقة التي‮ ‬تربطه بالمخزن‮.‬

هناك استثمارات فرنسية في‮ ‬العديد من القطاعات الاقتصادية بالجزائر،‮ ‬في‮ ‬الطاقة عبر‮ “‬توتال‮”‬،‮ ‬البنى التحتية من خلال‮ “‬ألستوم‮” ‬التي‮ ‬عادت للحياة بفضل المشاريع الجزائرية،‮ ‬والإسمنت ممثلة في‮ ‬العملاق‮ “‬لافارج‮”‬،‮ ‬والزجاج عبر‮ “‬سان‮ ‬غوبان‮”.. ‬هي‮ ‬استثمارات فيها من الأهمية بالتأكيد،‮ ‬لكنها لا ترقى لمستوى ما أصبح‮ ‬يعرف بقضيتي‮ “‬بيجو‮” ‬و”رونو‮”‬،‮ ‬اللتان باتا بمثابة كرتي‮ ‬ثلج،‮ ‬تنذران بعودة العلاقات الثنائية إلى مرحلة الإضطراب التي‮ ‬عمرت لسنوات طويلة‮.   ‬

قد‮ ‬يكون الأمر مستساغا لو تعلق الأمر بقطاع ثانوي‮ ‬في‮ ‬السوق الوطنية كالزجاج مثلا،‮ ‬أما أن‮ ‬ينقل شريك استثماراته لبلد منافس،‮ ‬ومنتجاته تسيطر بالطول والعرض على سوق السيارات في‮ ‬البلاد،‮ ‬فهذا‮ ‬يشكل قمة الاحتقار،‮ ‬ليس فقط لحكومة وإنما لشعب بأكمله،‮ ‬أم أعلن عن مشاريع من هذا القبيل،‮ ‬فالأمر لا‮ ‬يتعدى مجرد استرضاء،‮ ‬لا‮ ‬غير‮.‬

الحكومة وبحكم هذه المعطيات،‮ ‬باتت أمام حرج كبير ليس فقط أمام المعارضة،‮ ‬وإنما أمام عموم الجزائريين،‮ ‬بسبب الخطاب الذي‮ ‬دأبت السلطة على تسويقه في‮ ‬السنوات الأخيرة،‮ ‬كلما أشكل الأمر بين البلدين بخصوص الماضي‮ ‬الاستعماري،‮ ‬والذي‮ ‬كانت دائما تتحمل الجزائر ثقله‮ (‬إجهاض مشروع قانون تجريم الاستعمار‮)‬،‮ ‬بداعي‮ ‬النظر للأمام وعدم رهن العلاقات مع شريك‮ ‬يملك مقومات النهوض،‮ ‬بقضية أصبحت من التاريخ‭!‬

‭ ‬

وصفه أويحيى بأنه تصاميم ومجسمات وأرقام في‮ ‬الهواء

الاستثمار العربي‮ ‬في‮ ‬الجزائر‮.. ‬ظالم أم مظلوم؟

حينما وصل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم عام‮ ‬1999،‮ ‬أعلن الحرب على مافيا الاحتكار والاستيراد،‮ ‬ليتوجّه نحو فسح المجال أمام الاستثمار الأجنبي،‮ ‬ولأنّ‮ ‬الدول الغربية كانت تحاصر الجزائر على خلفية العشرية الحمراء،‮ ‬فلم‮ ‬يجد الرئيس حينها سوى الانفتاح على المال العربي‮ ‬ـ الخليجي،‮ ‬مستثمرًا في‮ ‬ذلك علاقاته القوية مع أمراء وملوك العرب ورجال أعمالهم،‮ ‬ومع تحسّن الوضع الأمني‮ ‬مطلع الألفية الثالثة،‮ ‬وتحقيق الجزائر لطفرة مالية بفعل العائدات النفطية،‮ ‬صارت بلادنا‮  ‬قبلةً‮ ‬لكبرى الشركات العربية،‮ ‬من مصر،‮ ‬الإمارات،‮ ‬السعودية،‮ ‬قطر،‮ ‬الكويت،‮ ‬حيث هرولت لتقديم عروضها الاستثمارية في‮ ‬مجالات الصناعة والسياحة والبناء‮.‬

إرادة الرئيس بوتفليقة كانت برأي‮ ‬المراقبين جادّة وقويّة،‮ ‬في‮ ‬تمكين العرب من التوطين في‮ ‬الجزائر،‮ ‬لحسابات براغماتية،‮ ‬وربّما لقناعات مبدئية أيضا،‮ ‬ففتح مكتب متابعة مباشر للاستثمار العربي،‮ ‬وفضّل‮ “‬أوراسكوم‮” ‬للاتصالات على المتعامل الفرنسي‮ ‬في‮ ‬2001،‮ ‬ثمّ‮ ‬تعهد لباقي‮ ‬المستثمرين بضمان كلّ‮ ‬التسهيلات الإدارية والإجرائية لتجسيد مشاريعهم،‮ ‬وأشهرهم‮ “‬إعمار‮” ‬الإماراتية،‮ ‬و”جراند‮” ‬الكويتية،‮ ‬و”سناسكو‮” ‬السعودية‮.‬

وبمقتضى ذلك،‮ ‬ظهرت مشاريع عربية طموحة مثل‮: ‬القرية السياحية الضخمة ببلدية عين طاية،‮ ‬بتكلفة بلغت حوالي‮ ‬7،1‮ ‬مليار دولار،‮ ‬و خليج الجزائر،‮ ‬والواجهة البحرية،‮ ‬ومدينة سيدي‮ ‬عبد الله،‮ ‬وحظيرة الرياح الكبرى،‮ ‬والمركب السياحي‮ “‬موريتي‮”‬،‮ ‬ومصنعًا لإنتاج زيت المائدة بمدينة وهران لمجموعة صافولا‮…‬

لكن تجري‮ ‬رياح الواقع بما لا تشتهيه إرادة الرئيس،‮ ‬فتتبخّر أحلام العرب والجزائريين،‮ ‬بفشل معظم تلك المشاريع المعلنة،‮ ‬وانسحاب المتعاملين تباعًا من الميدان،‮ ‬لترسو اليوم نتائج الاستثمار العربي‮ ‬في‮ ‬الجزائر،‮ ‬على بضع مليارات من الدولارات،‮ ‬في‮ ‬بلد بحجم قارة،‮ ‬يملك كل مؤهلات الإقلاع الاقتصادي،‮ ‬لكنه مازال مكبّل الأطراف‮!‬

تضاربت التفسيرات لعزوف العرب عن الاستقرار في‮ ‬الجزائر،‮ ‬بين حديث عن مناخ‮ ‬غير مشجع،‮ ‬وعراقيل بيروقراطية،‮ ‬وعوائق إداريّة،‮ ‬وعقبات تشريعية،‮ ‬وذهب آخرون إلى تحميل المستثمرين العرب مسؤولية الإخفاق،‮ ‬بفعل الأزمة المالية العالمية،‮ ‬لكن الواقع‮ ‬يثبت أن تلك الشركات أنقذت نفسها من الانهيار،‮ ‬وواصلت نجاحها في‮ ‬بلدان أخرى دون أيّ‮ ‬آثار سلبية‮.‬

في‮ ‬2009،‮ ‬سئل الوزير الأول وقتها أحمد أويحيى عن أسباب التعثر الذي‮ ‬يواجهه العرب في‮ ‬الجزائر،‮ ‬فعلّق قائلا‮: ‬إنّ‮ ‬عروضهم كانت مجرّد تصاميم ومجسمات وأرقام في‮ ‬الهواء‮!‬

غير أنّ‮ ‬الحقيقة التي‮ ‬يؤكدها العارفون بشؤون الإدارة وصناعة القرار في‮ ‬الجزائر،‮ ‬هو أن الاقتصاد في‮ ‬بلد‮ ‬ينتمي‮ ‬لمحور التخلّف،‮ ‬لا‮ ‬ينفك عن السياسة والأيديولوجيات،‮ ‬وفي‮ ‬هذه الحالة،‮ ‬فقد دفع العرب ثمن الغضب الفرنسي‮ ‬والضغوطات الأوروبية على السلطة الجزائرية‮.‬

ربّما تتعاضد كل هذه التحليلات،‮ ‬في‮ ‬فهم ما جرى لشركات رائدة في‮ ‬العالم،‮ ‬لكنها‮ ‬غادرت الجزائر بخفّي‮ ‬حنين،‮ ‬إلاّ‮ ‬البعض ممّن شكّل استثناء‮ ‬يحفظ ولا‮ ‬يقاس عليه،‮ ‬لتبقى الجزائر،‮ ‬هي‮ ‬الخاسر الأكبر من تضييع الفرص،‮ ‬في‮ ‬سياق‮ ‬يؤشر على تدشينها لأزمة مالية جديدة،‮ ‬قد تعصف بمكتسباتها الاجتماعية،‮ ‬فهي‮ ‬اليوم خائبة الأمل من الشراكة الأوروبية التي‮ ‬أثقلت كاهلها دون مقابل،‮ ‬وشبه‮ ‬يائسة من عودة العرب،‮ ‬بينما هوت أسعار النفط في‮ ‬وقت حرج،‮ ‬فأيّ‮ ‬مصير‮ ‬ينتظرها،‮ ‬وهل تملك السلطة حلولاً‮ ‬إبداعية لإسعاف نفسها،‮ ‬وحماية البلاد والعباد من أخطائها العبثية؟‮ ‬

 

قال إن العرب لا‮ ‬يستثمرون إلا في‮ ‬البازارات‮.. ‬الخبير الاقتصادي‮ ‬كمال ديب‮:‬


المغرب محظية فرنسا‭..‬‮ ‬وجزائريون عبيد لدى باريس

كيف تقيمون واقع الاستثمارات الأجنبية في‮ ‬الجزائر؟

واقع الاستثمار في‮ ‬الجزائر‮ ‬يميزه مناخ الأعمال‮ ‬غير المحفز والوتيرة المتذبذبة لتدفق المشاريع الأجنبية،‮ ‬وغموض وعدم استقرار القوانين المنظمة للاستثمار،‮ ‬فاليوم تعلن الحكومة عن قاعدة استثمارية لتتراجع عنها في‮ ‬الغد،‮ ‬وهو ما دفع بالعديد من الشركات الأجنبية إلى مقاضاة الجزائر،‮ ‬ومنها ما قرر عدم العودة،‮ ‬ويضاف إلى ذلك الفساد المنتشر في‮ ‬الإدارة والرشاوى والبطء في‮ ‬استصدار الرخص وانعدام الكفاءة في‮ ‬تحرير العقود وبيروقراطية البنوك،‮ ‬هي‮ ‬عراقيل تجعل من الاستثمارات الأجنبية في‮ ‬الجزائر تحتضر‮.‬

تشهد العلاقات السياسية مع فرنسا تقدما نوعيا،‮ ‬لكن على المستوى الاقتصادي‮ ‬يبدو الأمر معاكسا،‮ ‬لماذا؟

هذا راجع بالدرجة الأولى إلى‮ ‬غياب مناخ استثماري‮ ‬محفز وانعدام القوانين المشجعة،‮ ‬ففرنسا دائما تبحث عن الربح قبل كل شيء،‮ ‬وتختار الوجهة التي‮ ‬ترى أنها تقدم ضمانات أكبر لاستثماراتها،‮ ‬وهو الشيء الذي‮ ‬لم تعد تلقاه في‮ ‬الجزائر،‮ ‬ولا علاقة للملف بالوعود السياسية،‮ ‬هي‮ ‬أمور تحسب بالمصالح،‮ ‬وفرنسا باتت ترى أن المغرب أكثر احتضانا لاستثماراتها من الجزائر‮.‬

خسرت الجزائر معركة استثمارية مؤخرا بإعلان‮ “‬بيجو‮” ‬إقامة مصنع لها بالمغرب‮.. ‬ماذا تقولون؟

الاستثمار في‮ ‬المغرب قرار شخصي‮ ‬لا‮ ‬يتخذه إلا الملك،‮ ‬خلافا للجزائر التي‮ ‬تناقش هذه الملفات في‮ ‬اجتماعات حكومية ومجالس وزارية‮.. ‬وهو ما‮ ‬يعطل ربما المشروع في‮ ‬الجزائر ويعجّل به في‮ ‬المغرب،‮ ‬وبالرغم من أن المؤسسات المغربية ليست بعيدة عن الفساد مقارنة مع الجزائر،‮ ‬ففرنسا تفضلها بالنظر إلى أن المغاربة لديهم قابلية أكبر لاحتضان الوجود الفرنسي‮ ‬الاقتصادي‮ ‬بعيدا عن القواعد الاستثمارية وملفات الماضي‮ ‬الاستعماري،‮ ‬والدليل رؤساء فرنسا الذين‮ ‬يقضون عطلهم بالمغرب‮.‬

هناك من‮ ‬يقول إن زيارة هولاند الأخيرة جاءت بهدف التقليل من‮ ‬غضب السلطات الجزائرية على هروب‮ “‬بيجو‮” ‬نحو المغرب،‮ ‬مثلما كان الشأن مع‮ “‬رونو‮” ‬سابقا‮.. ‬هل تشاطرون هذا القول؟

لا أبدا،‮ ‬والدليل على ذلك برنامج هولاند المنشور فور عودته على الموقع الإلكتروني‮ ‬لـ”الإيليزي‮” ‬والذي‮ ‬تضمن لقاء مع وزير الدفاع الفرنسي،‮ ‬وهو ما‮ ‬يوحي‮ ‬بأن سبب زيارته للجزائر قد‮ ‬يكون حول ملف الحراڤة ومراكز الإيواء أو‮ “‬داعش‮” ‬وليس لهدف اقتصادي‮ ‬بارز،‮ ‬ولا ننسى أن الرئيس الفرنسي‮ ‬جاء بدعوة من نظيره بوتفليقة،‮ ‬وأود أن أوضح أن بيجو بالنسبة لهولاند ليست سوناطراك بالنسبة للجزائر‮.‬

هنالك من‮ ‬يقول إن فرنسا وبفضل نفوذها في‮ ‬الجزائر تضع العراقيل أمام الاستثمارات العربية،‮ ‬ما تعليقكم؟

أعتقد أن فرنسا ليست من‮ ‬يضع العراقيل،‮ ‬وإنما اللوبي‮ “‬الفرونكوفوني‮” ‬في‮ ‬الجزائر،‮ ‬فمن بين‮ ‬680‮ ‬وزير تداولوا على الحكومات الجزائرية منذ الاستقلال،‮ ‬أزيد من‮ ‬400‮ ‬وزير سابق‮ ‬يقيمون حاليا في‮ ‬فرنسا،‮ ‬هؤلاء هم من‮ ‬يخدمون وجود فرنسا في‮ ‬السوق الجزائرية،‮ ‬وهنا لا أخفيكم سرا أني‮ ‬لست من المتحفزين للاستثمارات العربية،‮ ‬فهي‮ ‬لا تستثمر إلا في‮ ‬المساحات الكبرى والبازارات والفنادق،‮ ‬ولا تجلب شيئا لقطاع الصناعة‮.‬

 

وزير التجارة الأسبق الهاشمي‮ ‬جعبوب

اللوبي‮ ‬الفرنسي‮ ‬حقيقة وهو مصدر مشاكل الاستثمار العربي


هل تعتقدون بوجود صراع بين الاستثمار العربي‮ ‬والغربي‮ ‬والفرنسي‮ ‬خصوصا في‮ ‬الجزائر؟

هو ليس صراعا فقط،‮ ‬بل هناك امتيازات استثنائية كبيرة تمنح للأوروبيين والفرنسيين وسلعهم في‮ ‬إطار اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي‮ ‬والإعفاءات الجمركية،‮ ‬وهذا رغم وجود اتفاق وقعه رئيس الجمهورية للانضمام للسوق العربية المشتركة،‮ ‬لكنها أفرغت من محتواها‮.‬

أما ما تعلق بالاستثمارات،‮ ‬فالمناخ الاستثماري‮ ‬في‮ ‬الجزائر ما زال دون المستوى،‮ ‬وزيادة على هذا،‮ ‬فهذه الاتفاقيات الاستثنائية تجعل السلطة تقدم تنازلات وامتيازات استثنائية جبائية وجمركية وبنكية لدول دون‮ ‬غيرها،‮ ‬وإقامة مصنع في‮ ‬دولة ما قرار اقتصادي،‮ ‬لكن عندنا صار‮ ‬يتم بقرار سياسي‮ ‬والجميع‮ ‬يتدخل وتمنح الامتيازات بالمجان‮.‬

المشاريع الاستثمارية العربية فشلت كلها تقريبا‮.. ‬من‮ ‬يتحمل المسؤولية؟

المشكل الأول هو الإدارة التي‮ ‬في‮ ‬الأصل وجدت من أجل المرافقة والتشجيع على الاستثمار،‮ ‬لكنها عندنا تحولت إلى أداة بيروقراطية خانقة،‮ ‬ولو نقرر تسيير الأمور لسنة واحدة من دون هذه الإدارة لسارت أحسن بـ‮ ‬100‮ ‬مرة،‮ ‬فضلا عن العقار الصناعي‮ ‬الذي‮ ‬صار عقبة حقيقية،‮ ‬والضبابية وعدم استقرار قوانين الاستثمار‮.‬

وأعتقد أن تعدد مراكز القرار في‮ ‬الجزائر ساهم هو الآخر،‮ ‬فالكل مسؤول والكل‮ ‬يتدخل ولديه حق الفيتو وكل المديريات في‮ ‬الولاية تقريبا تتدخل عدا مصالح الشؤون الدينية،‮ ‬والأولى أن تمنح الامتيازات للدول العربية وليس الأوروبية‮.‬

هناك من‮ ‬يتهم فرنسا بوضع العراقيل أمام الاستثمارات العربية لكنها لا تأتي‮ ‬بالاستثمارات الثقيلة إلى الجزائر‮.. ‬ما قولكم؟

فرنسا ما زالت تعاملنا بمنطق المالك للجزائر،‮ ‬وتعتبر السوق الوطني‮ ‬الجزائري‮ ‬ملكا لها،‮ ‬وأتذكر قبل عامين عندما صرح وزير التجارة الفرنسي‮ ‬من أرض الجزائر،‮ ‬أن باريس منشغلة لتعاظم التواجد الصيني‮ ‬في‮ ‬الجزائر‮.‬

أما الاستثمارات،‮ ‬فأنا ضد الشوشرة الحالية القائمة في‮ ‬الجزائر والمغرب بخصوص الاستثمار الفرنسي،‮ ‬لأن باريس تعاملنا معاملة الضرائر وتبتز هذا بهذا،‮ ‬وأتساءل لماذا هذا الانشغال عندما‮ ‬يتعلق الأمر بالجزائر والمغرب ولا‮ ‬يحدث شيء عندما‮ ‬يكون الاستثمار الفرنسي‮ ‬في‮ ‬السنغال مثلا،‮ ‬وعليه‮ ‬يجب عدم الوقوع في‮ ‬هذا الفخ‮.‬

هل تعتقد بوجود لوبي‮ ‬فرانكوفيلي‮ ‬في‮ ‬الجزائر‮ ‬يعرقل الاستثمار العربي؟

نعم،‮ ‬هو لوبي‮ ‬فرانكفوني‮ ‬فرنسي‮ ‬أوروبي،‮ ‬يدافع عن مصالح فرنسا والأوروبيين في‮ ‬الجزائر،‮ ‬والمشكل‮ ‬يكمن فينا نحن لأننا لا ندافع عن مصالحنا ونمنح الامتيازات بالمجان على‮ ‬غرار اتفاق الشراكة الذي‮ ‬يكبدنا سنويا قرابة‮ ‬3‮ ‬ملايير دولار من الحقوق الجمركية،‮ ‬وبالمقابل لا استثمارات أوروبية جاءت إلى الجزائر‮.‬

إذن،‮ ‬فاللوبي‮ ‬هذا موجود وبقوة وهو مدعوم من أعوانه في‮ ‬الداخل للدفاع عن مصالح فرنسا والغرب،‮ ‬وهو ضد الوجود العربي‮ ‬والاستثمار العربي‮ ‬في‮ ‬الجزائر‮.‬

مقالات ذات صلة