الرأي

المازوشيون‭ ‬مازالوا‭ ‬هنا

الشروق أونلاين
  • 4781
  • 6

هل يوجد في العالم أقبح من أن يبحث المحكوم عليه بالإعدام لجلاده عن أعذار وهو على مشارف المقصلة؟ وهل يوجد أقبح من ممارسة المازوشية في حضرة ساديين يمارسون طقوسهم الجبروتية حتى وهم على مشارف حفرة من نار؟ أسئلة تبقى من دون إجابات ونحن نتابع شعوبا عربية برغم ما عانته من حكام جعلوها الأفقر في بلدان ثرية والأذل في بلدان عزيزة تبحث لزعمائها عن أعذار بين من يعتبر زين العابدين بن علي غافلا عن مآسي شعبه بسبب تغليطه من المحيطين به، ومن يعتبر حسني مبارك طاعنا في السن ما عاد يُدرك ما يفعل وما يُفعل به، ومن يعتبر معمر القذافي بالمجنون الفاقد للوعي من أجل إدخال الجميع ضمن دائرة المرفوع عنهم القلم الشرعي والوضعي في إطار الآية الكريمة “ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يُطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتولّ يعذبه عذابا أليما”..

وطبعا ستلبس الشعوب لوحدها التهمة، لأنها هي من أوصلت هؤلاء إلى الحكم وتركتهم يعيثون في أرضها الفساد والدمار والتخلف.. الأزمة كان يمكن أن ننفض أيدينا منها مع ذهاب هؤلاء الذي نُصرّ على أنهم عجز في الغابرين وفاقدين للوعي، ولكنها للأسف مازالت متواصلة، ففي مصر مثلا وبرغم نظافة الثورة المصرية، إلا أن جينات الممارسات المازوشية القديمة مازالت عالقة في الكروموزومات السياسية، فالكل يُشيد بالجيش المصري رغم أن الكل يعلم أن معاهدة كامب دافيد إنما كانت عسكرية وليست سياسية أو اقتصادية، والكل يعلم أن لبنان احتُل عام 1982 والجيش المصري يتفرج، والكل يعلم أن غزة الجارة أبيدت وأبيد معها العشرات من المصريين والجيش المصري يتفرج، والكل يعلم أن ذات الجيش هو الذي حمى الرئيس المصري وأبقاه في السلطة قرابة الثلث قرن.. أما في ليبيا فإن مجرد طلب المعارضة العون من الخارج هو نوع من تغيير الزعامة من “المجنون” المحلي إلى “صانع الجنون” الأجنبي رغم الأمثلة الكثيرة الماثلة أمام أنظار ثوار ليبيا، حيث نجح الشباب المصري من دون مساعدة أجنبية في إسقاط ديكتاتور بلد النهر العظيم وفشل العراقيون في العودة إلى الحياة بعد أن تكفل الأمريكان بإسقاط ديكتاتور بلاد النهرين.. أما في الجزائر فرغم بلوغ الأزمة الحلقوم وهي أزمة تتحملها السلطة والشعب معا، إلا أن البحث عن الأعذار للطرفين سيجعل من حلها مستعصيا، خاصة أن الذين باشروا البحث عن الحل هم أنفسهم من صنعوا الأزمة وأبانوا على مدار العشريات الملونة عجزهم عن حل طلاسمها رغم توفر الإمكانات المادية والبشرية.. فرئيس البلدية الذي مزّق حذاءه من أجل الجلوس على كرسي الرئاسة صار يتحجج الآن بفقدانه للصلاحيات، والوزير الذي وعد بتحويل النار إلى فردوس في زمن وجيز صار يطالب بأوقات إضافية أطول من عمره الوزاري الافتراضي لأجل أن يعيدنا‭ ‬إلى‭ ‬نارنا‭ ‬الهادئة‭ ‬السابقة‭ ‬وليس‭ ‬نار‭ ‬التخلف‭ ‬التي‭ ‬ورطنا‭ ‬فيها،‭ ‬والشعب‭ ‬الذي‭ ‬عمل‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينال‭ ‬حقه‭ ‬صار‭ ‬يريد‭ ‬نيل‭ ‬‮”‬حقه‮”‬‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬طقوس‭ ‬مازوشية‭ ‬هي‭ ‬تعذيب‭ ‬للذات‭ ‬دون‭ ‬بلوغ‭ ‬المبتغى‭.  ‬

مقالات ذات صلة