المال السايب!
وزيرة الثقافة خليدة تومي قالت في أحد تصريحاتها بخصوص الميزانية المرتبطة بتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، إنها لن تكشف عنها للإعلام، وبالتالي للرأي العام والمواطنين، لسبب بسيط، حتى لا تتهم بالتبذير وتبديد المال العام؟!
-
هذه القاعدة بات يسير عليها كثير من المسؤولين في البلاد، حتى باتت مرتبطة باسم السيدة وزيرة الثقافة، لدرجة أن البعض، نقل عنها تعليقا مثيرا، يضاف إلى تخوفها من تهمة التبديد والتبذير، وهي أنها لن تُسلِّم رقبتها لأي شخص من أجل قطعها، وذلك، كله، فقط، لأن البعض طالبها بالكشف عن ميزانية عاصمة الثقافة الإسلامية؟!
-
هذا الكلام وإن كان يتعارض مع مبدأ الشفافية الذي تسير عليه الدولة، ويتناقض تماما مع ادعائها تبني مبادئ الحكم الراشد في تسيير الشأن العام، فإنه يكاد يكون الوجه الحقيقي للنظام، والذي لم ينجح حتى الآن في تحسينه، لا داخليا ولا خارجيا، برغم كل الآراء الدولية والتي تتسابق نشرة الثامنة إلى سردها على مسامعنا كل يوم، من خلال التطبيل والتزمير، لإعجاب وزير بريطاني، أو حتى مستشار أمريكي، بالإصلاحات التي أعلنها الرئيس، وكأن هذا الأخير، لم يتبن تلك الإصلاحات احتراما للشعب الذي انتخبه ورغبته في التغيير، وإنما تقربا من لندن وباريس وواشنطن؟!
-
الرئيس في إصلاحاته الكبرى التي أعلن عنها، وتلك التي سيتخذها عاجلا، يجب أن يراعي تغيير بعض الوجوه القبيحة والمتعارضة مع أي إصلاح في البلاد، وأيضا، تلك التي لا تتلاءم مع أجواء التغيير، ولا يحسبن أحد هنا، أننا ندعو لاختيار بديل عنها، من المعارضة السخيفة التي تنشط على صفحات الجرائد، وفي القاعات الفارغة، والمسيرات الفاشلة، معاذ الله، ذلك أن هذه المعارضة تبدو أقبح بكثير من بعض وجوه النظام، وهي لا تعرف أصلا هوية الشعب الذي تخاطبه، ولا تتبنى همومه واهتماماته، وذلك سر من أسرار إخفاقها وضعفها مقابل قوة النظام واستمراره.
-
عندما يكتسب الرئيس الثقة من الانتخابات، مثلما حصل في السابق، ويحيط نفسه بعدد من المسؤولين والوزراء والمديرين الذين يستمدون قوتهم من ذلك التفويض الشعبي والمؤسساتي، حينها، لا تتحول أرقام الميزانية العمومية، ومصاريف التظاهرات الاقتصادية والسياسية والثقافية إلى خط أحمر، يهابه الجميع، ويتخوفون من ذكره، خشية المتابعة أو المحاسبة، أو الملاحقة في قادم الأيام.
-
ولعلّ من هذا المنطلق، تندرج أهمية رفع التجريم عن المسيرين، لدرجة أن كثيرا من هؤلاء باتوا يفتقدون لأسلحة المواجهة، ويتخوفون من التصرف في المال العام بالشكل الايجابي، والنافع للمواطنين، في مقابل، تغوّل المفسدين، والمتصرفين في الميزانيات العمومية، لمصالحهم الخاصة، كما أن رفع التجريم، يجب أن يكون مترافقا مع المتابعة الدقيقة، واللصيقة لكل شؤون الدولة، وأشكال صرف المال العام، بالفلس الواحد، وهنا، يحق لنا التساؤل، عن جدوى اللجان والهيئات الكثيرة التي تم تنصيبها في أشهر فارطة، ومهمتها محاربة الفساد والمفسدين، بعدما، انتشر هذا الغول الكبير، مع بداية تنصيبها أصلا..ثم ألا يقال في الأمثال، المال السايب يعلم السرقة؟!