-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المتحوِّر “أوماكرون”

عمار يزلي
  • 1119
  • 0
المتحوِّر “أوماكرون”

في السياسة الفرنسية تجاه الجزائر وتجاه مستعمراتها القديمة “الجديدة”، أكثر من فيروس متحور وأكثر من طفرة، وكل يوم هذا المتحور ذي الشأن هو في شأن: فتارة ينفخ البارد وتارة ينفخ الساخن، كما يقال في لغة فولتير، التي صار المتحور الجديد يتعامل مع شأن الحرية بخلاف ما دافع عنها فولتير نفسه. هذا المتحور المتناهي في الصغر، الذي هو “أوميكرون”، شأنه شأن ذلك المتناهي في “الكِبْر”.. “الذي هو أوماكرون”، يغيِّر بطبعه، بحسب طبيعة الوظيفة، تاجَه وثوبه البروتيني بحسب الظرف والبيئة، وذلك بهدف الإبقاء على بقائه.. حيا.. رغم أن الفيروس لا يحيى ولا يموت، فهو ليس كائنا في لغة البيولوجية الحية، فهو يندثر ولا يموت.

المتحورات الجديدة للسياسة الفرنسية بدءا من “ألفا”، مرورا بكل المحطات التحورية من “بيطا”، غاما، دلتا وباقي المتحورات، وصولا إلى أصغر رقم في الأبجدية الإغريقية ذات الـ22 حرفا، والذي يمثل الحرف “آين” (عين) المعرف في الفينيقية والأرامية، هو آخر ما أختير لمتحور جنوب إفريقيا الأشدّ خطورة من حيث سرعة الانتشار لا من حيث خطر الموت. متحور “أوميكرون”، رغم أنه ظهر في جنوب إفريقيا كما ظهر منها قبله المتحور دلتا العابر للقارات اليوم، قد أنسانا الجد الأول الصيني، وأوحى للعالم أن جنوب إفريقيا تنجب السلالات سريعة الانتشار كما أنجبت السلالة الصينية الجد ألفا سريع العدوى والفتك. فيروس “أوماكرون” قد يكون أخطر على إفريقيا من “أوميكرون”، فهو المتحول المتحور دوما، وهو الذي ينتقل من الوسط اليمني إلى اليمين، ويوزع حقائب الداخلية والتعليم العالي على “أشد الناس عداوة للذين آمنوا” فيما يتعلق بمحاربة الإسلام والعربية وحتى مفهوم “اليسار الاسلامي” الذي صار مفهوما محرَّما وتقريبا مجرَّما، ويرفض حتى سماع كلمة “إسلاموفيوبيا” والعاملين عليها من المهاجرين والأنصار في بلاد كبير النصارى غير المناصرين للنصرانية أصلا: فهم العلمانيون الملحدون تحت راية وقدسية الفاتيكان التي تحالف فيها الدين مع العسكر مع رجال المال قبل قرنين، عندما كان المتحور الفرنسي في أوج انتقاله من الشمال إلى الجنوب عبر البوابة الجزائرية ثم أجنحته في المغرب العربي ثم التغلغل في بلاد السودان الإفريقي. التحورات بدأها أكثر من هنا، بعد أن ضاقت فرنسا ذرعا بأزماتها المتوالية منذ ما قبل ثورتها على الكنيسة والإقطاع في 1789.

المتحور “أوماكرون” اليوم ما هو إلا ذلك الإبن الأخير من سلالة “ألفا” التي باركها عتاة الرأسمالية المتنوِّرة بأنوار قرن الأنوار، المزكَّاة حتى من طرف الأب المؤسس للاشتراكية والشيوعية كارل ماركس الذي زار الجزائر في نهاية حياته، وزكى في كتاباته إدخال الجزائر المتوحِّشة إلى حضيرة الحضارة الغربية الرأسمالية، ما من شأنه أن يعزز نظريته في أن الرأسمالية مرحلة حتمية للانتقال إلى الاشتراكية في رأيه، مثله مثل فيكتور هيغو وغيرهم ممن تغنّوا بفرنسا الغازية لبلاد التوحُّش. لهذا، لا زلنا نرى إلى اليوم، اليسار يتحالف مع اليمين واليمين المتطرِّف أحيانا عندما تكون المعادلة “ضد المسلمين الراديكاليين”، إذ أن كل مسلم يصلي ويصوم هو راديكاليٌّ إلا من كفر بعد الإيمان وفسق وشرب وتنكر لدينه فهو “مسلم متسامح” و”وسطي” ونموذج المسلم المتحوِّر على الطريقة الماكرونية.

انتخابات الربيع الرئاسية قد بدأت في إنتاج الطفرة تلو الأخرى من المتحورات لدى الرئيس “أوميكرون” كما لدى المترشحين من أقصى “الزمور”، إلى ابنة المؤسس “لوبين”، والعلاقات مع الجزائر وإفريقيا في اتجاه جديد قد يدفع إلى ظهور سلالة من المتحورات الداخلية وفي مستعمراتها القديمة التي بدأ فيروس فرنسا يفقد فيها قوته على الانتشار، أساس ذلك تاريخيا وفيزيقيا، أن التمدد ينتهي حتما بالتقلص.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!