-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المتشككون في اليقين

عمار يزلي
  • 968
  • 0
المتشككون في اليقين

التصميم على دخول اجتماعي منتظم نسبيا، والشروع في طي مخلفات سنتين من تناقص وتيرة التغيير والتنمية عبر تعميم اللقاح المضاد لكوفيد19، هو اللازمة التي يبدو أن الحكومة ملزمة بالالتزام بها، خاصة أمام مستعجلات الأمور الاقتصادية التي أربكت الإقلاع الاقتصادي الذي كان معوَّلا عليه قبل الجائحة. ليس هذا شأنا جزائريا، بل هو قضية مسّت العالم بأسره، بل على العكس لم تمسّنا إلا “أياما معدودات” وما كان وقعُها علينا بالأسوأ من الاقتصاديات العالمية المتطوِّرة التي خسرت الكثير وستخسر ربما أكثر في المستقبل بفعل هذا الوقع في السنوات المقبلة، على اعتبار أن تخفيف سرعة التنمية، هو تخلُّف في نهاية المطاف عن الوصول في الوقت المناسب.

الإشكال الأكبر الذي واجهنا ويواجه كثيرا من دول العالم، هو ذلك الرفض والامتناع والتثاقل في تلقي اللقاح، أيا كان هذا اللقاح. هناك ذهنية خاصة تعمل دوما على مخالفة الرأي، علميا كان أم سياسيا أم رياضيا أم دينيا. فئة، لا تقبل بالتصديق بما يقال لها رسميا أو تتبنَّاه الدول والسياسات، لأنه في حسبانها المبدئي، أن كل شيء لا نقف عليه ولا يمسّنا شخصيا، مشكوكٌ فيه. فهم وحدهم “اليقين”، الشك المرضي الذي يقارب من مرض البارانويا، أو الوسواس القهري. هي فئة كبيرة للأسف، ومؤلفة ليس بالضرورة من ذوي الوعي الناقص أو غير المتعلمين ومحدودي الثقافة والتعليم، بل تجد منهم أطباء ودكاترة وعلماء ومفكرين وفلاسفة، للأسف يقفون هذه المرة في خندق معاد للصحة العالمية والصالح العامّ، مع أنهم يرون الموت في كل مكان. موقفٌ غريب يجعل عندهم اللقاح أخطر من الموت، وكأنَّ الموت على أيدي كوفيد أهون من اللقاح على أيدي الطبيب.

هذه الذهنية أثَّرت كثيرا في حجم الإقبال على التلقيح عالميا ووطنيا.

ما كان حاصلا عندنا في البداية، هو تأخُّرنا نسبيّا عن الحصول على كمية كبيرة من اللقاح بسبب التدافع العالمي على طوابير اللقاحات و”الحرب العالمية” التي دارت خلف الكواليس السياسية والاقتصادية بهذا الشأن، مع ذلك تمكّنا من الظفر بنسبةٍ معقولة منه قبل جوان 2021، ثم بكميات وافرة منه بعد ذلك، مما مكّننا من دفع نحو تلقيح أوسع تجنبا لركود اقتصادي أطول وتشبّع وانهيار للمؤسسة الصحية، التي فعلت المستحيل لتجنب الكارثة مع الموجة الثالثة غير المتوقعة.

أهم ما حصلنا عليه وضمن الفاعلية الصحية والاقتصادية هو تمكننا من افتكاك منتَج صيدلاني محلي متمثلا في اللقاح المضاد لكوفيد19، وهذا بالتعاون مع الشريك الصيني. هذا عنصرٌ مهمٌّ جدا قياسا مع الأمور الأخرى العرضية، كونه إعلانا عن ربح معركة تكنولوجيا الإنتاج الوطني للّقاح، والذي سيتطور حتما ليشمل لقاحات أخرى بما فيها اللقاحات الموسمية ولقاحات الأطفال وغيرها من اللقاحات المصنعة وطنيا مستقبلا. هي طفرةٌ في طريق التنمية عبر الإنتاج المحلي الذي قد يوجه الفائض منه باتجاه التصدير.

التصميم إذن على تجاوز العقبات  والعراقيل في وجه التغيير والتنمية والتحول الديمقراطي والاقتصادي وفي نمط التسيير وإدارة الشأن العام، قد بدأ يعطي أكله، واستمرار الحذر مع الانخراط الإيجابي الشعبي في التوعية بضرورة تلقّي اللقاح أكثر من ضرورة وواجب، كونه يحمي الصحة النفسية والعائلية والوطنية والإنسانية، وهو إذ يعبِّر عن ممارسةٍ للحس المدني والمواطنة تجاه الغير.. فهو يجسد مبدأ حرية الفرد تتوقف عند بدء حرية الآخرين. وعليه، فأخذ اللقاح، الذي لم يفرضه أحدٌ على أحد، إلا أنه يبقى واجبا أخلاقيا تجاه من هم عرضة لعدواهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!