الرأي

المثقف “الجبان” في عالم مضطرب

ح.م

إشكالية معقدة تربك عالم الثقافة المعاصرة وهي تعاني بقدر طاغ من العار في ظل وجود مثقف “جبان” فضحه بلا تردد الأديب التركي “عزيز نسين” وهو يكشف عن مضمون المثقف المتقهقر والمنعوت بالجبن في عصر لا يأذن لمثقف “شجاع” بالخلود إلى الراحة والتحرر من هواجس الخوف ورعب المطاردة كما الأثرياء والمنعمين بخيرات دنيا غير عادلة جعلته خلف قضبان ضيقت عليه الخناق بانحسار مساحاتها.

هي ليست إشكالية “عزيز نسين” حينما اكتشفها.. هي إشكالية إنسانية أطلقها في صيحته الشهيرة :

“آه منا نحن المثقفين الخوافين” في كتابه الموسوم بصيحته التي استفزت مثقفي العالم الثالث ووضعت المثقف في قفص اتهام دون أن ينفي شجاعته نفيا مطلقا فقد يجد أحدنا بين الجبناء قامات شامخة تتحلى بخصال الشجاعة، هكذا هي حال الدنيا المزدحمة بالبشر، صوت جريء لا يخشى في الحق لومة لائم، وأغلبية صامتة، ترى ما ترفضه في نظام حياة تمقته، لكنها تلتزم الصمت، في ظل هيمنة دوائر القمع.

والمستريحون في حياة متقلبة هم ليسوا من المثقفين.. وكبار أغنياء تركيا كما يخبرنا “نسين” مثلا ليسوا مثقفين وبعض المستريحين في دنيا الحياة هم بالأحرى أولئك الذين يعملون عند كبار الأغنياء في مدن تركيا المتعصبة لعرقها القومي في محيط  آسيا الصغرى المتاخمة رغما عنها لأوروبا المتعالية بكبريائها على أجناس البشر.

والمثقف في حلبة الصراع التقليدي بين الشجاعة والجبن لا يمكن أن يكون هادئ البال مستقرا… وعلى من يسعى إلى الارتقاء والتربع على عرش النخبة بانتزاع لقب مثقف أن لا يفكر بالراحة مطلقا.. أو لا يحلم بنشوة استراحة وهو الملاحق دوما بضغوط لا تطاق، وأن يسلم بقدره هذا.

لا يعتقد المثقف المشدود بحزام من المبادئ، الرافضة لقواعد العمل الخالية من قيم أخلاقية، أن تستقطبه السلطة، ليشغل موقعا تنفيذيا مرموقا في دوائرها، فالسلطة تستقطب كوادرها من محيط حزب حاكم أو أحزاب موالية، تلتقي مصالحها مع توجهات النظام القائم.

أما ذاك المثقف الذي يسعى لاهثا لتذكير السلطة بوجوده عبر تقديم نتاجات أدبية لا تتعارض مع التوجه السياسي الراهن، طمعا في دعم مالي، أو وظيفة ترتقي بشكله الاجتماعي، فهو مجرد انتهازي منبوذ، لا يرتقي إلى مستوى مثقف يسعى لبناء الحياة بصيغ متقدمة حضاريا.

تبقى المعادلة التي يحسمها مفكر جريء تختصر أصدق النظريات التي غاب مفهومها الجوهري عن الأنظار ومفادها أن:

المثقف بجبنه لا يسيء لوطنه فقط.. فهو يسيء أيضا إلى سلطته الرافضة في قرارة نفسها لوجود مثقف جبان لا يمدها قوة.

آه منا نحن المثقفين الخوافين سقطنا في قانون المعادلة.

مقالات ذات صلة