المدرسة وتهمة “تكوين المؤمنين”؟!
تتعرّض المدرسة الجزائرية منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي لحملةٍ شرسةٍ ظالمة، يقودها تيارٌ فرنكفونيٌّ علماني حاقد، لا يملك ذرّة من الموضوعية والإنصاف، فهو يتفنّن في كيل التهم لهذه المدرسة التي تعدُّ بنظرهم “منكوبة” ولا تُخرّج سوى المتطرِّفين والإرهابيين والبعثيين والفاشلين… وهذا بالرغم من أنّ هذه المدرسة قد تخرّج فيها آلافُ الإطارات التي تسيّر البلاد، وآلافُ العقول التي أثبتت قُدراتِها في الداخل والخارج في شتى التخصُّصات والحقول العلمية المعرفية.
آخر التهم الباطلة التي وُجِّهت إلى المدرسة الجزائرية أنها “تُعلّم الجزائري كيفية ذبح زوجته الخائنة من قفاها بخنجرٍ غير حادّ للإمعان في تعذيبها حتى الموت تقرّبا إلى الله؟!”، كما زعم سعيد سعدي منذ أيام في تصريح أدلى به لقناةٍ فرنسية، وهذا بهتانٌ عظيم، وتشويهٌ متعمّد للمدرسة الجزائرية وحتى صورة الجزائر في الخارج، أما الأديب أمين الزاوي فوصف المدرسة بأنها “أكبر حزب إسلامي في الجزائر؟!”، ودعا صراحة إلى إلغاء نظامها التعليمي الحالي والعودة إلى المدرسة الموروثة عن الاستعمار، لأنّ “البلاد بحاجةٍ إلى مدرسة تكوِّن مواطنين وليس إلى مدرسةٍ تكوِّن مؤمنين”، ليؤكّد بذلك ما كنّا نقوله منذ التسعينيات من أن التيار العلماني الذي يدّعي التنوير والحداثة يتعمّد اتّهامَ المدرسة زورا وظلما بـ”تكوين الإرهابيين” للتغطية على حقيقته وتجنّب الاصطدام بالشعب؛ فها هو الزاوي يؤكّد الآن أنّ ما يقضّ مضجع العلمانيين التنويريين هو تخرُّجُ أجيالٍ مؤمنة محافِظة في المدرسة الجزائرية، لا أجيال علمانية تحمل مشعل فكره الحداثي!
كبلدٍ مسلم يدين كلّ أهله تقريبا بالإسلام، فإنّ تدريس التربية الإسلامية لأبنائه في مختلف مراحل تعليمهم، هو أمرٌ بديهيٌّ، كما يحدث في كلّ الدول الإسلامية. وحتى الكيان الصهيوني حريصٌ جدا على تعزيز تعليم الديانة اليهودية لأطفاله في المدارس؛ ففي سبتمبر 2016، صرّح وزيرُ التربية الصهيوني السابق نفتالي بينيت قائلا: “أرى أهمية لتعليم دروس اليهوديّة والتفوّق فيها أكثر من الرياضيات والعلوم!”، وبرّر بينيت دعوته هذه بقوله: “لسنا قادرين على ضمان استمرار دولتنا من دون الإلمام بالتوراة. بصفتنا يهودا، لا يكفي أن نكون شعبا يُتقن المعرفة بالتقنيات الناشئة، بل علينا أن نكون شعبا يعرف التوراة ويفهمها أيضا”. وللعلم، فإنّ بينيت هذا مختصٌّ في مجال التقنية العالية، وقد ساهم في وضع برنامج متقدّم لتعليم الرياضيات في الكيان الصهيوني، ومع ذلك، فإنّه يعتبر تدريس الديانة اليهودية أكثر أهمية منها، أما في الجزائر، فقد حاولت وزيرة التربية السابقة بن غبريط رمعون تقزيمَ ساعات تدريس التربية الإسلامية ومُعاملِها، وحتى حذفَها من بكالوريا الشُّعب العلمية، وها هم أنصارُها الآن يتّهمون المدرسة بـ”تكوين مؤمنين” لأنها تدرِّسهم التربيةَ الإسلامية في الأطوار الثلاثة، فهل أضحى تعليم أطفالنا في المدرسة قواعدَ دينهم ومكارمَ الأخلاق التي تحصّنهم من الانحراف والميوعة، جريمة؟!
إنّ الانتقادات الجائرة الموجَّهة إلى المدرسة الجزائرية ومناهجِها، واتّهامَها بـ”تكوين مؤمنين”، و”صناعة الغلوّ” هو تطرّفٌ علمانيٌّ مقيت يحمل وصفة خاطئة لكيفية معالجة آفة التطرّف الديني في البلاد؛ فهذا التيار -الذي لا يمثّل سوى أقلية في المجتمع- يعتقد أنّ إلغاء التربية الإسلامية تماما سيكون العلاجَ الأنجع لهذه الآفة، والصحيح أنّ ذلك سيؤدي إلى استفحالها وتفاقمها لأنّ المتشدِّدين سيتلقّفون التلميذ آنذاك ويُقنِعونه بأنّ دينه مضطهَدٌ في عقر دياره ويجب أن يدافع عنه، ويُلقّنونه ما يريدون من أفكار متطرِّفة. والحلّ المثالي هو تكثيف تدريس التربية الإسلامية ورفع معاملها حتى يشبّ الطفلُ وهو يتلقى إسلاما وسطيا معتدلا سمحا، يُبعده عن الغلوّ ويحصِّنه من التطرّف.