جواهر
وجهات نظر

المرأة الحريرية

ح.م

لتشابه الكلمتين: الحديد والحرير، وتباين الوصفين : الحديدية والحريرية، سنستخدم هذا الوصف ليدل على المباينة والمفاضلة التي نريد أن نسوق إليها الكلام.

لقد تكلمنا عن المرأة الذي أريد لها تحت ضغط المجتمع الفكري والاقتصادي أن تخرج كي تسد الخلل الذي تركه ضياع الرجولة، فأصبحت هي المنفق والمعيل، واضطرت من أجل ذلك أن تستخدم كل نقاط قوتها، بما في ذلك جمالها ومفاتنها، لكن ليس الذنب ذنبها هي، إنه ذنب المجتمع والثقافة والقيم.

والآن حان الوقت لنتكلم عن المرأة الحريرية ونجيب عن السؤال: ماذا تريدون من المرأة؟ هل تريدونها حيوانا أليفا في البيت يلبي احتياجاتكم ويقضي شهواتكم؟

حين أوضحنا في المنشورات السابقة طبيعة الغاية التي خلقت لها حواء والتي نص عليه الخالق الكريم في أكثر من موضع بقوله ((وخلق منها زوجها ليسكن إليها)) وقال ((خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها)) نوضح الآن طبيعة العمل والتعليم الذي يمكن أن تتحقق فيه ذاتية المرأة ورساليتها دون أن تفرط في غايتها الأولى: “السكن” ودون أن تبقى جاهلة أمية تابعة للرجل لا رأي ولا فكر ولا شخصية.

المرأة والحرير والورد والعطر أشياء متشابهة، ولذلك تميل المرأة إلى الورد وإلى الحرير والذهب ميلا طبيعيا، فهذه الأشياء رموز الأنوثة، وكلما تأنثت المرأة زاد تحقق الغاية التي خلقت لها ((ليسكن إليها)) فكأن الأنوثة طاقة متوقدة تدفع الرجل لمزيد من العطاء، وإذا أردت أن تفهم ذلك تأمل في طبيعة خلق المرأة ولين بشرتها ورقة أعضائها.

فالجمال الذي في المرأة لا يتحمل قسوة ظروف العمل والحرارة والزحام والدخان وأصوات المحركات الضخمة، هي خلقت رقيقة لمهمة تحتاج إلى رقة ولين، وخلق الرجل خشنا لمهمة تحتاج خشونة وصلابة، من هنا كانت الليونة في الرجل عيبا، وكانت الخشونة في المرأة عيبا، وإذا أردت أن تفهم سر ذلك، فانظر مم خلق الرجل ومم خلقت المرأة؟ خلق الرجل من طين لازب من تربة الأرض، وخلقت المرأة من لحم ودم. فأصل مادة خلقتهما مختلف!.

لقد قال الله تعالى ((الرجال قوامون على النساء)) ولم يقل الأزواج قوامون على الزوجات، فكل رجل هو قيم على من تحته من النساء، أختا أو بنتا أو زوجة أو أما، والقوامة تكليف، فإذا جُعن فهو المسؤول أمام الله، بقوله صلى الله عليه وآله وسلم (كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته).

إذا كانت المرأة خلقت ليسكن إليها الرجل، فالرجل خلق -ليضرب تامّارا- على المرأة، خلق ليكون خادما لها، يخرج في الصباح تلفعه أشعة الشمس، ويأوي في الليل إليها بما يحمله من خيرات كي ينال رضاها، ما أجل هذه الصورة التي فقدها الغرب ويريدنا أن نفقدها…

حين أكون في الغرب وأحكي لهن هذا لا يصدقنني، أقول لهن: إذا طلبت زوجة أحدنا شيئا ولم يستطع توفيره لها أحس بالحزن والأسى وربما استدان كي يشتري لها مطلبها فينال رضاها.

إذا: المرأة سكن الرجل وهو خادم لها.

وبقوة الجمال والليونة التي أودعت في المرأة، كانت الصورة دائما هكذا: الرجل صاحب السلطة في البيت، لكن المرأة هي التي تسيره كما تشاء، تأمره فيأتمر وتنهاه فينتهي ولا يقطع شيئا دونها، فلم يكن المجتمع يسميها إلا “مولات الري والشوار” أو “مولات الدار” وكان الجميع يعرف أن الرجل الطويل العريض ذو اللحية الوافرة والعمامة الكبيرة، لا يقطع شيئا حتى يشاور أهله.

لا تنظروا للبوادي والقفار حيث الجهل وتسلط الرجل وقسوته، تعالوا معي إلى فاس وطنجة ومراكش وحواضر المغرب وقبلها حواضر الأندلس ومصر والشام والحجاز، لتعرفوا مكانة المرأة.

فيا من تظنون أن الرجل يتسلط على المرأة، أنتم لا تفهمون معنى: القوة الناعمة.

نريد للمرأة حياة هانئة في ظل بيتها تحضن أبناءها وتنشئ لنا الأجيال، نريد أن نأخذ هذه المهمة التي أخذتها الحضانات والمربيات ونعيدها للأمهات، نريد أن ينعم الطفل بحليب أمه الدافئ، وأن لا تضطر المسكينة إلى كفكفة حليبها في حمام معملها، نريد أن تنال كل امرأة نصيبها من الأمومة وافرا، وينال كل طفل نصيبه من أمه وافرا.

لا نريد للمجتمع أن يصبح كله آلة إنتاج يخرج الجميع يلهثون كل صباح، يكفي أن يشقى نصف المجتمع، بينما يهتم النصف الآخر بالإنسانية والإنسان.

لعلك عرفت الآن ما تحتاج إليه المرأة من تعليم وعمل؟

تحتاج التعليم الذي يجعلها أما ناضجة مؤدية لرسالتها التربوية على أتم وجه، عالمة بالشعر واللغة والتاريخ، قادرة على بناء الهوية الإسلامية في أبنائها، تحكي لهم قصص الأنبياء والصحابة والعظماء كي يتخذوهم قدوة في الحياة، أمّاً مدرسة إذا أعددتها أعددت جيلا طيب الأعراق، أماً متفرغة للمهمة العظيمة التي تستحق تفرغا كاملا: بناء الأجيال، فبناء الأجيال أهم من الهندسة والطب والكيمياء التي يمكن أن يقوم بها الرجال.

وأما العمل الذي نريد للمرأة، فكل ما يمكن أن تقوم به دون عناء كبير ودون اضطرار ودون ابتذال وامتهان، فهي عندنا أغلى من أن تبتذل في المهام الدنيئة، لأنها أم الأجيال، ومنها يأخذون صفاتهم وأخلاقهم.

ستقولين أخيتي الكريمة: أنت تحلم، هذا زمن ولى ولن يعود، فأقول لك: دعينا نتفق على ما ينبغي أن يكون، ودعينا نقرر أن المرأة الحديدية تعيش أتعس أيامها، ثم بعد أن نقرر ذلك ننتقل إلى المرحلة التالية: مرحلة نشر الوعي، ثم بعد ذلك يبدأ التغيير إن شاء الله.

مقالات ذات صلة