المصائب لا تأتي فرادى؟
المدير العام لصندوق النقد الدولي الذي زار الجزائر خلال اليومين الأخيرين، جاء بوجهين لعملة واحدة، هي عملة السياسة الثابتة لهذه المؤسسة المالية الرأسمالية المتوحشة المسخرة لخدمة أهداف الدول الغربية المصنعة دون غيرها وعلى حساب بقية الدول خاصة تلك التي تحاول رفض السير في الخط المرسوم.
-
ففي مقابل التصريح البروتوكولي وكلمات المدح والمجاملة الرسمية التي أبداها في أعقاب استقباله من طرف رئيس الجمهورية والتي أثنى فيها على معدل النمو المنجز في الجزائر، في مقابل ذلك لم يتخل عن البراغماتية والصرامة وسياسة الابتزاز التي تطبع ممارسات هذه المؤسسة تجاه البلدان المترددة في الدخول الكلي في دوامة المنظومة المالية والنقدية والتجارية للصندوق وللدول الغربية المتقدمة والعولمة الأمريكية بشكل عام، لجعل اقتصادياتها وهياكلها مجرد أدوات لامتصاص صدمات وكوارث الأزمات ومنع امتدادها إلى الاقتصاديات الأساسية في هذا النظام، فكال كل الكيل للاقتصاد الجزائري برمته، سواء بالحق أو بالباطل، في التصريحات والندوات التي عقدها والتي تعبر بصدق عن السياسة المنتهجة بعيدا عن المجاملات والتشريفات التي يمارسها لإدراكه لأهميتها بالنسبة لزعماء العالم الثالث، فوصف هذا الاقتصاد بالهش والنمو المعبر عنه بغير الحقيقي لأنه يعتمد بالأساس على إيرادات المحروقات من نفط وغاز وهي في نظره نعمة على الجزائر يمكن في أي وقت أن تتحول إلى نقمة عليها، وأعطى أرقاما عن معدل البطالة تختلف تماما عما تعطيه السلطات الجزائرية في العادة إذ قدر هذا المعدل أو النسبة بأكثر من 20 بالمائة في أوساط الشباب الذي اعتبره مصدر الثروة الحقيقي لأن الاقتصاد الذي يعتمد في نظره على المصادر الطبيعية لا يمكن أن يمتص البطالة أو يكون عاملا حقيقيا لنمو وازدهار الاقتصاد، وكأن الثورة الصناعية التي حدثت في الغرب لم تعتمد على الفحم الحجري والمصادر الطبيعية الأخرى من معادن وزراعة، أو كأن الإنتاج الصناعي اليوم في جميع البلدان وخاصة منها البلدان المتطورة لا يعتمد على المحروقات والمصادر الطبيعية من نفط وغاز ومعادن؟..
-
وإذا لم يكشف مدير صندوق النقد الدولي صراحة عن أنه جاء إلى الجزائر ليفرض عليها شراء الصندوق للمساهمة في معالجة الأزمة المالية العالمية الراهنة كما فعل مع بلدان الخليج المنتجة للنفط، فإنه كان واضحا وصريحا في مطالبته بإدماج الاقتصاد الجزائري كاملا في أتون هذه الأزمة وهذا ما يجب أن يذكرنا بتلك الممارسات والتصرفات التي كان يمارسها تجاه الجزائر خلال تسعينات القرن الماضي عبر القروض والجدولة وإعادة الجدولة. أي أن هذه التلميحات من قبل مسؤول صندوق النقد الدولي بالإضافة إلى انتقاده اللاذع لسياسة الحماية التي تنتهجها السلطات الجزائرية للاقتصاد الوطني، يجب أن تكون مصدرا للتفكير في ما يمكن أن يواجه الجزائر على المدى المنظور من مشاكل ، مصدرها الصندوق وجهات أخرى كثيرة، قد تتشعب وتمتد إلى القطاعات والنشاطات الأخرى السياسية والاجتماعية في ظل الوضع العام الهش، وتلتقي بما يحاك من مؤامرات على الحدود الجنوبية أو ما يسمى بمشكل الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي.