الرأي

المعجزة “الكورية” والمعجزة “الكروية”..؟

مجبرون مساء اليوم، على متابعة المنتخب الجزائري لكرة القدم، وهو يقارع منتخب كوريا الجنوبية في منافسة كأس العالم، ولسنا أبطالا بعد أن ظل لثلاثة عقود، الجرس الكوري الاقتصادي والعلمي يدقّ بعنف، دون أن نلتفت إلى ما كان يسميه الغرب بـ”المعجزة الكورية” التي صدّرت إلينا أدويتها وصناعاتها الخفيفة وسياراتها ومنتجاتها الفلاحية، من بلد تكبره الجزائر مساحة بأكثر عن عشرين مرة، وتكبره أيضا بخيراتها الباطنية، ببحر من النفط وجبال من الفوسفات والذهب والمرجان.

 ولكننا، سهرة اليوم، سنجلس القرفصاء، أو نقف كمن ينتظر حكم القاضي، بعيون شاخصة، وبأجساد مسافرة في عالم الرعشة، وبقلوب لا تطلب من الدنيا غير انتصار لمنتخب الجزائر، الذي سقط في أول موجعة له أمام بلجيكا، فقرّرنا، غير آبهين بمستواه الفني والبدني، ولا بتشاؤم مدربه، أن نبنيه مرة أخرى بأحلامنا، كما كنا نفعل دائما في مثل هذه المناسبات التي تكاد تشكل أهم حدث في حياتنا، ولن تعنينا الملحمة الاقتصادية والعلمية الكورية في شيء، فبالنسبة إلى الكثير من الجزائريين لا ملحمة في سوى عالم الكرة، من ملحمة خيخون إلى ملحمة أم درمان.. وأملا في ملحمة أخرى في بورتو أليغري.

عشق الجزائريين للكرة وليس لغيرها من الرياضات، وانشغالهم بهمّها على حساب بقية هموم الحياة، أصبح ظاهرة نفسية تحتاج إلى الدراسة على الأقل ولا نقول للعلاج، بالرغم من أن الدارس أو المعالج غائب، لأنهم جميعا في همّها يسبحون، وهم لا يطلبون أكثر من انتصارات عادية، حقق الكثير منها، منتخبات تنتمي إلى بلدان صغيرة وفقيرة ومنها كوستاريكا التي لا يزيد تعداد سكانها عن أربعة ملايين نسمة، ومن دون هذا المال “القاروني” الذي صرفته الدولة من دون فرامل على منتخب صار يتوجّع مدربه شكوى، وكأنه منّ على الجزائريين، بالماء والأوكسجين، وهو يعلم بأن ما تحقق في زمنه الكروي، ليس إلا قطرة في بحر الانتصارات الكروية الجزائرية، التي حدثت غالبيتها في زمن اللا نفط واللا احتراف، بل في زمن أرضيات الكرة الترابية ومنحة فوز بجهاز التلفزيون.

الجزائريون لن يعيشوا سهرة اليوم شعورا ثالثا، فإما الفرحة التي تبقى تنتظر التأكيد، في لقاء الخميس القادم أمام روسيا، وإما الخيبة التي سيتجرعونها في حالة خسارة المقابلة، وفي كلتا الحالتين، يبقى ما يفتقدونه هو التعامل الصحيح مع الحدث، ومع النتيجة النهائية، لمثل هاته المقابلات وهاته المشاركات في التظاهرات العالمية، والتقييم الصحيح لمسيرة سنوات لأجل تحقيق هاته النتيجة الحسنة أو السيئة، لأن التاريخ أكد بأن النتيجة الرقمية في الجزائر تنطفئ في لحظتها إما غمّا أو بهجة، وكثير من المواهب الرياضية انطفأت مثل الشموع، فقد حصل سلطاني على ميدالية ذهبية أولمبية في الملاكمة لم يسبق وأن حصلت عليها بلجيكا، ومات متشردا في شوارع مارسيليا، وحصل العداء طويل على ذهبية البطولة العالية، في سباق 1500 لصنف الأواسط واعتزل ألعاب القوى، ولن نتحدث عن الشهاب العلمية التي هرب بعضها مكرها إلى أوربا وأمريكا والخليج العربي، وارتضى البقية الانطفاء هنا.. في انتظار معجزة كروية مساء اليوم.

مقالات ذات صلة