-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المغرب والتّحالف الشَّيطانيّ مع الكيان الصُّهيونيّ

ناصر حمدادوش
  • 2332
  • 0
المغرب والتّحالف الشَّيطانيّ مع الكيان الصُّهيونيّ

يصرُّ إخوانُنا المغاربة على المقاربة الحضارية باستدعاء البُعد التاريخي في سياق تبرير خياراتهم السِّياسية والفقهية، وعليه فإنه من حقِّنا استدعاء المنطقِ نفسِه في الفحص العلمي للعلاقات التاريخية بين المغرب والكيان الصُّهيوني؛ فالواضح بأنَّ المغرب هو مَن يحتلُّ المكانة التاريخية ضمن الإستراتيجية الصُّهيونية وليس العكس، وذلك عند وضع هذه العلاقة الشَّاذة بينهما في ميزان الرِّبح والخسارة، وفي إطار تداعياتها الخطيرة على العالم العربي والإسلامي، وآثارها المدمِّرة على وَحدة الأمَّة، ومنها: على وَحدة اتحاد المغربي العربي، الذي يزايدون به علينا.

وبالعودة إلى التاريخ، فإننا نجد بأنَّ اليهود المغاربة الذين هاجروا إلى الكيان الصُّهيوني سنة 1948م قد شكَّلوا أساسًا ديمغرافيًّا مهمًّا لقيام ما سُمِّي بـ”دولة إسرائيل” واستمرارها، إذْ ينحدر حوالي مليون يهودي من أصل 06 ملايين إسرائيلي من المغرب، ضمن تلك التركيبة الديمغرافية الهجينة لهذا الكيان العنصري، وهو ما يطرح تساؤلاتٍ عن حقيقةِ دورهم، وعن إشكالية الولاء والانتماء لديهم، هل هي للمغرب أم لهذا الكيان الصُّهيوني؟ وخاصة أنهم يحتلُّون مواقع المسؤولية السِّياسية والأمنية والعسكرية، ولهم نفوذٌ واسعٌ في مفاصل هذا الكيان، وقد تميَّزوا بخدماتٍ تاريخية لصالح هذا الاحتلال، فقد تفانى هؤلاء اليهود المغاربة في خدمة المشروع الصُّهيوني، وهم متورِّطون في جرائم الحرب وجرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية ضدَّ الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 74 سنة.

وما يؤكِّد المسؤولية المغربية ومدى تورُّطها في احتلال فلسطين لصالح المشروع الصُّهيوني هو قرار الملك المغربي سنة 1976م بعدم إسقاط الجنسية عن اليهود المغاربة الذين هاجروا في سنواتٍ سابقةٍ إلى بلدانٍ أخرى، ومنها إلى هذا “الكيان الصُّهيوني”، ولا يزال الكثير منهم يحتفظون بجنسيتهم المغربية إلى الآن. وإذا أخذنا نموذجًا إجراميًّا في هذا التحالف العضوي بين اليهود المغاربة والكيان الصُّهيوني، فإنَّ المجرم الصُّهيوني “بنيامين نتنياهو” حين شكَّل حكومته مع المجرم “بيني غانتس” (وزير الحرب الصُّهيوني حاليًّا) في أفريل 2020م، قد شكَّل هذه الحكومة لتضمَّ عشرةَ وزراء من أصولٍ مغربية، وهو ما يمثِّل الثلث من أعضائها. ولعل الطبيب اليهودي المغربي الدكتور “ليون بنزاكوي”، وهو أول وزيرٍ يهوديٍّ في أول حكومةٍ للمغرب بعد الاستقلال مباشرةً سنة 1956م كان محقًّا في نبوءته عندما قال حينها: “إنَّ مستقبل اليهود سيكون كما يريده اليهودُ المغاربة”، و”إنَّ بقاء جزءٍ من اليهود في المغرب (حوالي 03 آلافٍ يهوديِّ، وهي أكبر جالية يهودية في شمال إفريقيا) هو أمرٌ حيويٌّ للتقارب المستقبلي بين إسرائيل والمغرب”، إذْ أنَّ تطبيع العلاقات بينهما هو تطبيعٌ مستقبليٌّ، وليس كأيِّ تطبيعٍ آخر. إنَّ العلاقة بين المغرب والكيان الصُّهيوني علاقةٌ تاريخيةٌ قديمة، فقد نشرت صحيفة “هآرتس” تقريرًا – بالتزامن مع زيارة “أفيف كوخافي”رئيس أركان الجيش الصُّهيوني إلى المغرب يوم 20 جويلية 2022م – تؤكِّد فيه أنَّ التعاون الاستخباراتي بينهما يعود إلى حرب جوان 1967م، حيث كان للموساد مقرٌّ في المغرب. إنّ الملك “الحسن الثاني” كان أوَّل رئيسٍ عربيٍّ يلتقي “ناحوم غولدمان” رئيس المؤتمر اليهودي العالمي سنة 1970م، فكان العرَّاب الحقيقي الأوَّل للوساطات المشؤومة في عمليات التطبيع، مقابل الحشد اليهودي للدَّعم الغربي للمغرب في أجنداته التوسُّعية، ومنها: أطماعه في الجغرافيا الجزائرية والموريتانية وقضية الصَّحراء الغربية. وقد تعزَّزت ثقة الكيان الصُّهيوني بالمغرب عندما زاره “إسحاق رابين” سنة 1976م لبحث الحوار بين هذا الكيان ومصر، وهو ما أثمر -فعلًا- استضافة المغرب لاجتماعٍ سريٍّ بين وزيري خارجية الطرفين سنة 1977م، مما مهَّد الطريق لزيارة السَّادات الشهيرة للكيان الصُّهيوني يوم 19 نوفمبر 1977م، وتوقيع اتفاقية “كامب ديفيد” يوم 26 مارس 1979م، وهو ما أدَّى إلى خروج مصر من معادلة الصِّراع مع العدوِّ الصُّهيوني إلى الآن. ولذلك فإنَّ استعادة العلاقات الثنائية بطابعها الرسمي بين المغرب والكيان الصُّهيوني يوم 10 ديسمبر 2020م ما هي إلاَّ تتويجٌ لتعاونٍ ظلَّ زواجًا غير شرعيٍّ بينهما في السِّر، وأنَّ هذا الاتفاق ليس مجردَ خطوةٍ رمزيةٍ مفاجئةٍ أو ردَّةَ فعلٍ انفعاليةٍ، وإنما هو مسارٌ راسخٌ للتصالح بين الذَّات المغربية والذَّات الصُّهيونية من الناحية التاريخية، وهو انعطافٌ خطيرٌ للتعاون بينهما على حساب القضية الفلسطينية، واستقرار المنطقة المغاربية، والبُعد الحضاري لها،ٍ وهو صفقةٌ خاسرةٌ، تحت عنوان: “التطبيع مقابل الأرض”، والمقصود بالأرض: الصَّحراء الغربية وليس فلسطين، وجعْلِ الصِّراع الوجودي مع العدوِّ الصُّهيوني “مجردَ تاريخٍ قديم”. وقد حاول المغرب تكييف اتّفاقه مع الكيان الصُّهيوني على نفي الطبيعة الشَّاملة له، وهذه العلاقات ستكون جزئيةً وتدريجيةً، ومن دون المساس بإجماع الأمة المغربية والعربية والإسلامية حول القضية الفلسطينية، إلاَّ أنه في جوهره هو استئنافٌ خطيرٌ لذلك المسلسل من الخيانة والغدر بالتحالف الشيطاني بينهما، إذْ إنَّ العلاقات كانت طبيعيةً أصلًا، ولا تحتاج إلى تطبيع، والمغرب منفصلٌ عن الأمَّة ولم يكن يومًا في حالةٍ عدائية مع العدوِّ الصُّهيوني، وهذا التوقيع هو أخطر أنواع التحالف العضوي مع هذا الكيان السَّرطاني. وتكمن خطورة تجديد هذه العلاقة في تعزيز أمن الكيان الصُّهيوني، إذْ أنَّ أهمية التطبيع ليست في العلاقة في حدِّ ذاتها، وإنما في مردودها المتعدِّي، أي فيما تجسِّده من الاعتراف بشرعية هذا الكيان، وإدماجه في المنطقة، ووقف الحرب النفسية والإعلامية اتجاهه، وتعطيل واجب الجهاد والمقاومة ضدَّه، ذلك أنَّ “التطبيع هو خطةُ دفاعٍ صهيونيةٍ ضدَّ العداء”. ومنذ توقيع هذا الاتفاق يوم 10 ديسمبر 2020م والتقارب بين المغرب والكيان الصُّهيوني يأخذ هذا المنحى التصاعدي، وعمليات الإنزال السِّياسي والأمني والعسكري الصُّهيوني بالزيارات المكثَّفة للمغرب ترسم حقيقة ذلك الغزو اليهودي الخطير للمملكة المغربية؛ ففي خلال سنةٍ واحدةٍ من استئناف هذه العلاقات وقع تسونامي من القرارات التطبيعية في مختلف المجالات والمستويات، ومثَّلت خطوة التوقيع على مذكرة التفاهم الأمني في 24 نوفمبر2021م أخطر الاتفاقيات، إذْ تُعدّ زيارة وزير الحرب الصُّهيوني “بيني غانتس” إلى المغرب تحوُّلاً لافتًا في مسار هذا التحالف الشيطاني، وهو التعاون الاستخباراتي والعسكري بمختلف أشكاله، بإقامة مشاريع مشتركة في مجال الصناعات الحربية، والصفقات العسكرية، والتدريبات المشتركة، وإنشاء قواعد عسكريةٍ صهيونيةٍ بالمغرب. ثم كانت زيارة رئيس أركان الجيش الصُّهيوني “أفيف كوخافي” يوم 20 جويلية 2022م، والتي قال عنها: “هذه الزيارة الفريدة من نوعها هي نتيجةُ تاريخٍ مشترك، وصداقةٍ راسخة، ومستقبلٍ مشرق.. وتخلق القيمُ والتحدِّيات المشتركة قاعدةً صلبةً لتعاونٍ عميقٍ بين الجيشيْن على المستوى الاستراتيجي والاستخباري والعملياتي”. إنها ليست مجردُ علاقاتٍ سياسيةٍ أو ديبلوماسية، وإنما هي استثماراتٌ عسكرية وأمنيةٌ صهيونيةٌ تحت غطاءِ تلبيةِ حاجات المغرب، ومواكبته في إنتاج برامج وأنظمة تسليحية محليًّا، إذ تؤكد المصادر الصهيونية أنَّ هذه الشراكة الإستراتيجية توفِّر للمغرب الخبرة الأمنية والاستخبارية اللازمة لضمان تفوُّقه الأمني والعسكري على جيرانه. والظاهر أنَّ وتيرة تطوُّر هذا التحالف الشيطاني قد انتقل من مبرِّر الضَّرورة إلى كونه فرصةً وخيارًا استراتيجيًّا، إلاَّ أنه يضع المغرب ضمن الإستراتيجية الصُّهيونية وليس العكس، إذْ تقوم تلك الإستراتيجية على عقيدة التفوُّق العسكري الصُّهيوني على الجميع، ووجوب الخضوع والقبول به كأمرٍ واقعٍ، بأن يكون هذا الكيان -ولا أحد غيره- المزوِّد الأساسي للمنظومات الدفاعية للدول المطبِّعة، وبالتالي جعْل أمنِها مرتبطًا بالقرار الصُّهيوني في نهاية المطاف، وهنا تكمن خطورة هذه الاتفاقيات، إذْ سيصبح هذا العدو الصُّهيوني صاحب التأثير والتحكُّم في ما يقع في المغرب والمنطقة، ومتابعًا للأمن والدفاع فيها، وهو مؤشِّرٌ على الهيمنة الصُّهيونية على القرارات السِّياسية والسِّيادية للمغرب، وأنَّ هذا التسونامي التطبيعي هو أخطر أنواع التطبيع على الإطلاق، كأسوأ مظاهر التحالف الشيطاني مع هذا العدوِّ المجرم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!