الرأي

الموت بالوباء أو التضوّر جوعا في البيوت!

حسين لقرع
  • 1194
  • 4
ح.م

لا ريب في أن قرار السلطات إغلاق الكثير من الفضاءات التجارية كالمقاهي والمطاعم ومحالّ البيتزا والأكل الخفيف والحِلاقة وأسواق الملابس ومقاهي الإنترنت… وغيرها من المحالّ والفضاءات التي يتجمّع فيها عددٌ كبير من الزبائن، هو قرارٌ اضطراري لا مفرّ منه، أفضى – مع قرارات أخرى تتعلق بغلق المؤسسات التربوية والثقافية والرياضية وغيرها – إلى تحجيم عدد الإصابات بفيروس كورونا وتفادي سيناريوهات دول عديدة تفشّى فيها الوباء.

لكن ينبغي للسلطات الانتباه إلى أنّ هذا القرار قد أوقع الكثير من العمَّال البسطاء في براثن البطالة، ويضاف إليهم الكثيرُ من العمال الموسميين واليوميين في قطاعات البناء والنقل وغيرها، وذوُو المهن البسيطة كالإسكافيين، والكثيرُ منهم أربابُ أسرٍ كانوا يعيلونها بأعمالهم اليومية المتواضعة، ثم وجدوا أنفسهم فجأة في الحجر المنزلي وقد فقدوا مصدر رزق أطفالهم.

بعض هؤلاء العمال البسطاء بدأ يتّصل بالفضائيات الجزائرية ليُلفت انتباه السلطات إلى وضعيتهم المقلقة؛ فقد أصبحوا الآن بلا أيّ دخل، والمساعدات التي تحتلّ حيّزا كبيرا في نشرات الأخبار، لا تصلهم، والمنتخَبون المحلّيون لا يكترثون لوضعيتهم، ما جعلهم وأسرهم يعيشون في ضيق وشدّة تتفاقم مع مرور الأيام ونفادِ الدنانير القليلة التي كانت بحوزتهم، على الرغم من أنّ الأزمة في أسابيعها الأولى، فماذا لو استمرّت وتواصل الإغلاق والحجر أشهرا عديدة؟

صحيحٌ أنّ هناك مبادراتٍ خيرية وتطوّعية كثيرة ضرب بها الجزائريون أروع الأمثلة في التضامن والأخوّة، وهناك مساعداتٌ تصل إلى عائلات كثيرة، لكنّ الملاحظ أنّ توزيعها يتّسم بالعشوائية حينا، وبتوجيهها إلى المستفيدين التقليديين حينا آخر، كالعائلات التي تعوّدت على الاستفادة من قفة رمضان، في حين أسقِطت أسرُ هؤلاء العمال البسطاء من كل الحسابات، لاسيما أنّ الأطراف المحسنة عديدة وليس هناك تنسيقٌ، فيما يبدو، مع السلطات المحلية في كل بلدية.

لا أحد انتبه إلى هذه الفئة التي فاجأها كورونا ووجدت نفسَها تفقد مصادر رزقها بين عشية وضحاها ومن دون أيّ سابق إنذار، وفي وقتٍ لا يتوفّر فيه أيُّ بديل في ظلّ الإغلاق الشامل لشتى القطاعات، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تلوح في الأفق. وما زاد الوضعَ سوءا أنّ السلطات قررت الاحتفاظ برواتب نصف العمال والموظفين المسرّحين مؤقتا من القطاع العام إلى أن تنتهي أزمة كورونا، ووعدت الحرفيين الذي توقفت نشاطاتُهم بالتعويض، لكنّها تركت العمال الذين فقدوا عملهم لدى الخواصّ لمصيرهم، مع أنّهم أجدرُ بالتعويض والمساعدة، لاسيما أنّ أجورهم ضئيلة وأغلبهم يعاني الفاقة والخصاصة حتى حينما كان يعمل، فكيف تكون حالهم الآن بعد فقدان عملهم؟ وكم يستطيعون الصمود في وجه هذه الجائحة التي تستفحل يوما بعد يوم وليس هناك مؤشراتٌ تبشّر بقرب انحسارها؟

هؤلاء العمال البسطاء، الذين يقدَّر عددُهم بنصف مليون عامل، كانوا محدودي الدخل أصلاً ويعانون صعوباتٍ جمّة في تلبية الاحتياجات الضرورية لأطفالهم، فأصبحوا اليوم بلا دخل، وأسرهم مهدّدة بالجوع إذا طالت مدّة الوباء واستمرّ إغلاق المحالّ والحجر المنزلي ولم يعودوا إلى أعمالهم.. لذلك ندعو السلطاتِ إلى الالتفات إليهم والتكفّل بهم من خلال منحهم تعويضات ومنحا شهرية إلى أن تنجلي الغمّة ويعودوا إلى أعمالهم، وهذا من باب العدل بين المواطنين وعمالِ القطاعين العامّ والخاصّ، أو تكليف السلطات المحلية بإحصائهم وإيصال جزءٍ من المساعدات إلى عائلاتهم بانتظام، على غرار باقي العائلات الفقيرة، وذلك أضعف الإيمان.

إذا كانت وزارة الثقافة قد قرّرت منح أجور للفنانين الذين فقدوا عملهم بسبب كورونا، مع أنّ الوضعية المالية للكثير منهم حسنة، فمن باب أولى أن تمنح الدولة مؤقتا للعمال اليوميين البسطاء أجورا بدورهم لحفظ ماء وجوههم. هذا هو العدل وهذا هو التكافل الحقيقي في أوقات المحن والشدائد. اللهم ارفع عنا هذا البلاء.

مقالات ذات صلة