جواهر
الباحثات عن العمل في العاصمة:

“الميزيرية”.. مقابل الراتب والحرية!

جواهر الشروق
  • 3902
  • 11
ح.م

تتيح العاصمة لخريجات الجامعات عبر التراب الوطني فرص العمل النادرة في مناطق سكنهن خاصة الفرص التي يمنحها القطاع الخاص، فيحملن حقائبهن دون خوف من المجهول ويقررن التوجه إلى العاصمة بعد أن يطول عناء انتظار منصب عمل لا يأتي في ولاياتهن حتى عقود التشغيل “لانام” و”لاداس” تذهب إلى أصحاب المعارف أما “البوسط” أي المنصب المالي في الوظيفة العمومية فهو مجرد حلم، فتدفعهن الرغبة في إثبات ذاتهن ومواهبهن إلى الخروج من مجتمعاتهن الضيقة إلى العاصمة في أقوى صور للتحدي، لكن النجاح يكلفهن الكثير من العذاب والتنازلات و”الميزيرية”..

حنان ومليكة تخرجتا من معهد علوم الاتصال بعنابة سنة 2005 إحداهما تنحدر من مدينة الواد الكبير بضواحي عنابة والأخرى من عين شرشار ولاية سكيكدة، قررتا التوجه إلى العاصمة للبحث عن عمل عن طريق وساطة أحد نواب البرلمان من جبهة التحرير الوطني الذي ربط لهما علاقة عمل مع مسؤول بمؤسسة إعلامية حزبية، فلم تترددا في التوجه مباشرة إلى مدينة الجزائر بعد إقناع عائلتيهما بشق الأنفس، في البداية أقامتا عند أقارب لهما في ضواحي بوزريعة وبالضبط في حي بوسماحة وهو حي مليء بالبيوت القصديرية، ثم استأجرتا بيتا صغيرا ب12 ألف دينار لا يليق بالسكن، لكن تصميم  كل منهما جعلت الصعاب تتبدد في بدايتها، ففرحة العمل لا توصف، على الرغم من متاعب الطريق وصعوبة الوصول إلى قلب العاصمة أنهكهما يوما بعد يوم فتنهضا باكرا لتفادي الزحام لكن الوقت يرهقهما كثيرا فتعودان في المساء منهكتان وقد أدركتهما ظلمة الليل في فصل الشتاء، تقول حنان أن التنقل يوميا يكلفها الكثير من المال وأحيانا تنفق كل ما لديها لترتاح في سيارة أجرة، وتقتصد في غذائها عند منتصف النهار لأن راتبها الذي لم يتجاوز الثلاثين ألف دينار لا يكمل لها مصاريف حياتها لمدة شهر كامل، فالإيجار والنقل والأكل واللباس في العاصمة تكاليف باهظة لا يؤمنها راتب بسيط، ومع ذلك ترفض العودة إلى مسقط رأسها على الرغم من اشتياقها الكبير لأسرتها، تقول”لن أعود لأعيش الشوماج أنا هنا في العاصمة منهكة جسديا لكنني مرتاحة نفسيا، وعائلتي فخورة بي وتتباهى بي أمام الناس”..

أما مليكة فهي من عائلة بسيطة فقيرة توفي والدها قبل عشر سنوات وتزوجت والدتها مرة أخرى ولم يعد في حياتها ما يربطها بمدينتها على حد قولها، فمنذ تخرجها لم يتوقف بحثها عن العمل حتى الشبكة الاجتماعية التي كانت تمنحها البلدية آنذاك توقفت فقررت شق طريقها إلى العاصمة وهي في بداية المشوار وتحلم بالنجاح رغم كل الصعاب التي تعيشها خاصة المتاعب المادية بسبب غلاء المعيشة.

أكثر الفتيات تمسكا بالعيش في العاصمة هن خريجات جامعة الجزائر بكلياتها ومعاهدها، اعتدن على المدينة الكبيرة ونمط الحياة فيها، فيرفضن البقاء حتى بعد التخرج بحثا عن فرصة عمل تحقق أحلامهن، وبالفعل ينجحن في شق طريق الحياة المهنية لكن قسوة الحياة في العاصمة ترهقن فيتنقلن من مكان إلى مكان بحثا عن شقة للإيجار ومنهن من تعشن حياة “الكلونديستان” في الأحياء الجامعية والبعض تستأجرن “في أقبية العمارات القديمة في الأحياء الشعبية وهو الإيجار المتاح لكثير من العاملات بالعاصمة، وعادة ما تجتمعن في فوج من خمسة إلى ستة فتيات لاقتسام تكاليف إيجار شقة بشارع رئيسي بالعاصمة خاصة إذا كان الدفع سنوي..

نبيلة خريجة جامعة العلوم السياسية والعلاقات الدولية قدمت من مدينة الذرعان بولاية الطارف وهي تعمل في مؤسسة خاصة لتسويق مواد التجميل لعلامة فرنسية مشهورة، تقول إن الحياة في العاصمة مغايرة تماما عن الحياة في مسقط رأسها، فهي تعيش بكثير من الحرية لا أحد يراقب تصرفاتها ولا أحد يضايقها بتعليقات مستفزة كونها لم تتزوج بعد، ولا أحد “يحسب خطواتها”على حد قولها، ورغم أنها تتقاضى راتبا كبيرا مقارنة بالتوظيف في القطاع العام إلا انه لا يسد حاجياتها كاملة، فهي تعاني من مشكل الإقامة فبعد سنوات من “الميزيرية” استطاعت أن تستأجر لنفسها غرفة ومطبخا في الطابق الأراضي لعمارة مقابل قصر الحكومة، أنها محظوظة لأن مسؤولها في العمل ساعدها على إيجاد السكن المناسب لها ولا يبعد سوى مسافة قصيرة عن مقر عملها  بعد أن كانت حياتها في العاصمة مليئة بالعذاب خاصة مع انتهاء كل عقد إيجار، فقد جربت الإقامة في الحي الجامعي، ثم انتقلت إلى الإقامة عن طريق” البونسيونا” أي استئجار غرفة في شقة..

وتعج المؤسسات الخاصة في العاصمة بالموظفات القادمات من مدن داخلية بما فيها من الهضاب العليا والجنوب والغرب ومنطقة القبائل كسرن التقاليد وخرجن للعمل مستقلات بسكن خارج العائلة والكثيرات منهن نجحن في الوصول إلى مناصب هامة ونجحن في بناء أسر على الرغم من أن المعروف عن العائلات المحافظة بأنها ترفض تزويج أبنائها من بنات مقيمات بعيدا عن عائلاتهن، لكن ظروف الحياة غيرت الكثير من المفاهيم البالية.

في نفس الوقت تعاني آلاف العاملات في العاصمة من مشقة الحياة وعدم قدرتهن على توفير “فلس” واحد بسبب انخفاض الرواتب والظروف الاقتصادية الصعبة، فالجزائر العاصمة من أغلى مدن العالم خاصة الإيجار والسكن والنقل، وعلى الرغم من كل المتاعب ترفضن العودة إلى مدنهم والاستقرار فيها وتفضلن الحياة في العاصمة بكل “جحيمها” على الحياة البسيطة في “دشرة” لا تقوى على التنفس والحياة فيها بكل حرية على حد قولهن.

فمن بينهن لا يستطعن حتى توفير المال للتنقل في نهاية الأسبوع أو في العطلة السنوية لزيارة عائلاتهن في ولايات مجاورة فهن يعشن حياة سيئة جدا لكن يتحملنها حتى النهاية.

مقالات ذات صلة