-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المُغيِّبون لأنفسهم

عمار يزلي
  • 662
  • 2
المُغيِّبون لأنفسهم

المجلس الشعبي الوطني المقبل، بدأت من الآن رؤية عامّة تتبلور حول طبيعة تركيبته الجديدة بعد تشريعيات 12 جوان المقبل.

ما ستفرزه الانتخابات البرلمانية المقبلة من أجل إعادة بناء وتشكيل ما قد حلّ وارتحل، لن يكون كسابق عهده إلا من حيث الشكل العامّ، لكن التركيبة وطريقة الوصول إلى مبنى زيغود يوسف لن يكون بنفس الطريقة ولا على نفس الأسس والقواعد التي حكمت الانتخابات السابقة منذ الاستقلال. السبب الأول: وجود سلطة مستقلّة تشرف على العملية برمتها، وهي أول تجربة بعد تجربة رئاسيات 12 ديسمير2019. السبب الثاني، هو أن القانون العضوي للانتخابات الناجم عن الدستور المعدَّل، قطع الطريق أمام الممارسات السابقة من حيث “التحصيص” و”التمييز” عن طريق نظام الكوطة المتَّبع منذ ترسيخ التعددية الحزبية. القوى السياسية ستخضع من الآن فصاعدا لتمثيل الصندوق وشفافيته لا لطريقة تقاسم الغنائم في الغرف المظلمة على هامش انتخابات صورية يلعب فيها المواطن دور الكومبارس. السبب الثالث، أن هذه الانتخابات، ومهما قيل وسيقال عنها مستقبلا خارج أو داخل الأوساط المقاطِعة، والتي هي نفسها عيَّنها من كان يستفيد من مقاعد مجانية في البرلمان عن طريق المحاصصة من دون فوز فعلي.. هي نفسها هذه القوى المقاطِعة التي طالبت وتطالب إلى اليوم بالمرحلة الانتقالية والمجلس التأسيسي و”التمثيلية”.. والتي تقصد بها “الكوطة” والتي برزت في انتخابات 1991 تحت شعار “ديمقراطية بلا ما نفوطيوْ”، تماما كما كان يقول طرفٌ آخر على النقيض ولكن يصبُّ في نفس الخانة “دولة إسلامية بلا انتخابات”.

نحن إذن أمام مقاطعة الأحزاب الصغيرة، اليسارية والعلمانية التي تخاف من الشفافية والتصويت الحقيقي، كونها أحزب “مصنّعة” مخبريا لا امتدادات وطنية واسعة لها: إما أحزاب “نخبوية” ترى نفسها فوق الشعب وتعتبر نفسها “أقلّية ساحقة”، أو هيئات وجماعات صوتها الإعلامي أكبر من حجمها القاعدي، معظمها أخرجت ووُلدت من تحت جبّة جبهة التحرير والأفافاس. الأفافاس الذي أعلن في البدء مشاركته، ثم تراجع تحت ضغط القيادات المركزية، مع أنه كان بإمكانه إن يُحدث فارقا في نتائج الانتخابات المقبلة كما حدث في انتخابات 1991، إذ تصدّر المرتبة الثالثة بنحو 15%، من المقاعد فيما لم يحصل منافسه الذي خرج من صلبه في مخبر التحميض النووي، سوى على 4%.. مما دعا زعيم الأرسيدي وقتها إلى أن يقول قولته الشهيرة “لقد أخطأتُ في المجتمع”.. وهو ما دعا نفس الحزب اليوم إلى المقاطعة المبكِّرة. حزب العمال، اليساري العلماني، هو الآخر يعرف أنه لن يقوى على مجابهة التيار الوطني المحافظ والتيار الإسلامي الوسطي، لهذا، فالاختفاء وراء تبرير عدم وجود “تمثيل” لباقي الشرائح هو السبيل الأوحد لإخفاء فشل مسبق في استحقاقات حقيقية لا مفتعلة ولا مطبوخة سلفا.

التركيبة الأساسية لمقاعد البرلمان المقبل ستكون إذن إسلامية معتدلة وطنية محافِظة، وتضم كل التشكيلات الحزبية ذات المرجعية الإسلامية والتي دخلت بقوة هذه المرة خلافا لرئاسيات “الحل الدستوري” والتي كان البعض منها يراهن على إسقاطها لحسابات ضيقة حزبية. الأحزاب الكلاسيكية، المسماة أحزاب السلطة، سيكون لها حضورٌ بالتأكيد في فسيفساء التشكيلة البرلمانية، قد يكونون خلف التيار الإسلامي المعتدل ككل، ولكن سيكون حضورهم معتبرا بسبب تاريخية هياكلهم التنظيمية.. فيما يكون المستقلون المحسوبون على نفس التيارات الفائزة، أو المستقلون فعلا.. وسيكونون قلة.. هم المكمِّل الغذائي لتركيبية المجلس التشريعي المقبل. للأسف، سيغيب ممثلو التيار اليساري والعلماني ولو كانوا أقليات، لكن سيكونون هم من غيَّبوا أنفسهم.. بأنفسهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • ياسين

    شكرا أستاذ عمار...على الموضوع القيم...

  • بن بولعيد

    هذا البرلمان تبذير لاموال الشعب الجزائري ولا فائدة ترجي منه اطلاقا . علي الدولة الجزائرية الغاء البرلمان من نظامها الدستوري والابقاء علي مجلس الامة للمصاقة علي المشاريع وتنفيذها بشرط ان يضم خيرة ابناء هذا الشعب وخبرائه وعلمائه الافذاذ والتخلص من الذين لا فائدة فيهم . البرلمان هذا القصد والهدف منه تفعيل وترسيم شرعية الرئيس فقط