المُواطن يُثير الشّفقة!
مشاعر التضامن والتآزر التي وزّعها قبل أياّم عدد من نواب الغرفة السفلى على الجزائريين، عندما راحوا يبرّرون قرار لجنة المالية والميزانية للمجلس الشعبي الوطني بإعفاء مركبي السيارات من الرسم على القيمة بأنه يندرج ضمن الرأفة لحال المواطن والتضامن معه عبر حماية جيبه من زيادات محتملة في أثمان المركبات، ينبغي أن تنسحب على مجالات أخرى، ما زالت تصدّر البؤس والشقاء إلى ساكنة هذا البلد، خاصّة الطبقات المسحوقة التي تصارع على كافة الجبهات، لأنّ حالها البائسة لم تعد تثير الشفقة فحسب، بل تبعث على البكاء والنّواح، في بلد يملك كل مقومات التقدّم نحو الأمام، إلا أنّه يصرّ على السير بسرعة جنونية إلى الخلف!
تبرير بعض نواب الغرفة السفلى قرار لجنة المالية والميزانية للمجلس الشعبي الوطني بإلغاء الرسم على القيمة المضافة، على مركبي السيارات في بلادنا، بأنّه يدخل ضمن الرأفة بالمواطن، فسح المجال للحديث عن جوانب أخرى؛ فأينما يولي الجزائري وجهه يجد نفسه محاطا بكم هائل من المنغصات التي أفقدته لذّة الحياة وجعلت منه إنسانا قنوطا ومنرفزا ومجرد كومة من العقد تمشي على الأرض، تقذف كل من صادفته في طريقها بحمم الغضب.
المواطن يثير الشفقة على كافة الأصعدة وليس فقط لأنه عجز عن اقتناء سيارة توفر له السفر المريح، لأنّ الراحة النفسية والبدنية أضحت بعيدة المنال؛ فالشواطئ التي كانت تهرب إليها العائلات، فارة بجلدها من جحيم الحرّ، قتلتها الممارسات “المافياوية” من قبل عصابات تفرض على من أراد التمتّع بزرقة البحر دفع ضريبة الجلوس، أو يتعرّض للاعتداء، مثلما حدث لموظف قبل أيام في وهران. المواطن الذي لا يستطيع التمتع بزرقة البحر رفقة عائلته، يثير الشفقة فعلا، ويبعث على الحسرة في بلد يحصي آلاف الكيلومترات من شريط ساحلي ساحر لم يعد متاحا للجميع.
الحدائق العمومية هي الأخرى لم تعد آمنة وأضحت تصدّر صورا مخلة وخادشة للحياء للعائلات التي تحلّ بها بحثا عن السّكينة، بعد أن تحولت إلى وكر للمنحرفين يمارسون فيها شتى صنوف الرذيلة.
المواطن يثير الشفقة، عندما يجد نفسه “يتعذّب” في طوابير مكتظة في البنوك ومراكز البريد من أجل سحب مرتبات زهيدة تنقضي في الأيام الأولى من الشهر بسبب كثرة المصاريف وغلاء المعيشة، التي حولت الضروريات إلى كماليات.
الحقيقة، أنّ مظاهر الشفقة والرأفة لحال الطبقات الهشّة اتخذت أشكالا وألوانا في هذا البلد عبر سياسة تضامن اجتماعية، إلا أن بوصلتها انحرفت للأسف على أرض الواقع، فتحولت قفة رمضان إلى إعانة مغلفة بكل معاني الذّل والمهانة، وأصبحت منحة التلاميذ المعوزين محنة، يكتوي بسببها أولياؤهم بآلام الازدراء والاحتقار في رحلة استخراج الوثائق الإدارية التي تثبت العوز والحاجة، ولم يسلم حتى المعاقون، الذين يعيشون على مساعدة مالية لا تسمن ولا تغني من جوع، فتكت بمعنوياتهم وجعلتهم يعتبرون أنفسهم مجرّد عالة على المجتمع، لا ينفعونه في شيء، وهم الذين وهبهم الله إرادة جعلتهم يتحدّون عاهاتهم الجسدية المستديمة.
باختصار، نحن نثير الشفقة على كافة الأصعدة، لذلك، فإن أحاسيس الرأفة ينبغي لها أن تترجم في شكل إجراءات وتعليمات صارمة على أرض الواقع يحرّكها المسؤولون في قطاعاتهم، لتقديم خدمات راقية للمواطن.