-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المُواطن يُثير الشّفقة!

محمد حمادي
  • 860
  • 3
المُواطن يُثير الشّفقة!
أرشيف

مشاعر التضامن والتآزر التي وزّعها قبل أياّم عدد من نواب الغرفة السفلى على الجزائريين، عندما راحوا يبرّرون قرار لجنة المالية والميزانية للمجلس الشعبي الوطني بإعفاء مركبي السيارات من الرسم على القيمة بأنه يندرج ضمن الرأفة لحال المواطن والتضامن معه عبر حماية جيبه من زيادات محتملة في أثمان المركبات، ينبغي أن تنسحب على مجالات أخرى، ما زالت تصدّر البؤس والشقاء إلى ساكنة هذا البلد، خاصّة الطبقات المسحوقة التي تصارع على كافة الجبهات، لأنّ حالها البائسة لم تعد تثير الشفقة فحسب، بل تبعث على البكاء والنّواح، في بلد يملك كل مقومات التقدّم نحو الأمام، إلا أنّه يصرّ على السير بسرعة جنونية إلى الخلف!
تبرير بعض نواب الغرفة السفلى قرار لجنة المالية والميزانية للمجلس الشعبي الوطني بإلغاء الرسم على القيمة المضافة، على مركبي السيارات في بلادنا، بأنّه يدخل ضمن الرأفة بالمواطن، فسح المجال للحديث عن جوانب أخرى؛ فأينما يولي الجزائري وجهه يجد نفسه محاطا بكم هائل من المنغصات التي أفقدته لذّة الحياة وجعلت منه إنسانا قنوطا ومنرفزا ومجرد كومة من العقد تمشي على الأرض، تقذف كل من صادفته في طريقها بحمم الغضب.
المواطن يثير الشفقة على كافة الأصعدة وليس فقط لأنه عجز عن اقتناء سيارة توفر له السفر المريح، لأنّ الراحة النفسية والبدنية أضحت بعيدة المنال؛ فالشواطئ التي كانت تهرب إليها العائلات، فارة بجلدها من جحيم الحرّ، قتلتها الممارسات “المافياوية” من قبل عصابات تفرض على من أراد التمتّع بزرقة البحر دفع ضريبة الجلوس، أو يتعرّض للاعتداء، مثلما حدث لموظف قبل أيام في وهران. المواطن الذي لا يستطيع التمتع بزرقة البحر رفقة عائلته، يثير الشفقة فعلا، ويبعث على الحسرة في بلد يحصي آلاف الكيلومترات من شريط ساحلي ساحر لم يعد متاحا للجميع.
الحدائق العمومية هي الأخرى لم تعد آمنة وأضحت تصدّر صورا مخلة وخادشة للحياء للعائلات التي تحلّ بها بحثا عن السّكينة، بعد أن تحولت إلى وكر للمنحرفين يمارسون فيها شتى صنوف الرذيلة.
المواطن يثير الشفقة، عندما يجد نفسه “يتعذّب” في طوابير مكتظة في البنوك ومراكز البريد من أجل سحب مرتبات زهيدة تنقضي في الأيام الأولى من الشهر بسبب كثرة المصاريف وغلاء المعيشة، التي حولت الضروريات إلى كماليات.
الحقيقة، أنّ مظاهر الشفقة والرأفة لحال الطبقات الهشّة اتخذت أشكالا وألوانا في هذا البلد عبر سياسة تضامن اجتماعية، إلا أن بوصلتها انحرفت للأسف على أرض الواقع، فتحولت قفة رمضان إلى إعانة مغلفة بكل معاني الذّل والمهانة، وأصبحت منحة التلاميذ المعوزين محنة، يكتوي بسببها أولياؤهم بآلام الازدراء والاحتقار في رحلة استخراج الوثائق الإدارية التي تثبت العوز والحاجة، ولم يسلم حتى المعاقون، الذين يعيشون على مساعدة مالية لا تسمن ولا تغني من جوع، فتكت بمعنوياتهم وجعلتهم يعتبرون أنفسهم مجرّد عالة على المجتمع، لا ينفعونه في شيء، وهم الذين وهبهم الله إرادة جعلتهم يتحدّون عاهاتهم الجسدية المستديمة.
باختصار، نحن نثير الشفقة على كافة الأصعدة، لذلك، فإن أحاسيس الرأفة ينبغي لها أن تترجم في شكل إجراءات وتعليمات صارمة على أرض الواقع يحرّكها المسؤولون في قطاعاتهم، لتقديم خدمات راقية للمواطن.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • النواب المنبوذون المزيفون

    النواب آخر من يحق له التحدث عن الرأفة والشفقة بالشعب لأنهم في واد وهو في واد آخر ألا يتذكرون أن أول إجراء اتخذوه ليس تمثيا إرادة القلة التي أوصلتهم من أبناء الشعب بل كان المطالبة برفع رواتبهم رغم أنها تناهز الــ 40 مليون؟ ثم يتحدثون عن تمثيل المواطن وهم من جاء للبرلمان بانتخابات مزيفة ونصاب شعبي غير مكتمل فمن كل ثلاثة جزائريين إثنين لم يذهبوا للتصويت فعن أية شرعية يتحدث هؤلاء ومن انتخبهم أصلا؟ لو كنا في بلد يحترم شعبه وينصاع لإرادته كما يدعون زورا وبهتانا لأخذ النظام درسا وفهم المغزى من العزوف عن الصندوق وغير كل شيء نحو التمثيل النظيف ولحرر العدالة من قبضته وإيعازه ولله في خلقه شؤون

  • الطيب

    هؤلاء عششوا و سكنوا و بيضوا فوق رؤوسنا يعيشون بأموال الأمة لأنفسهم و لمصالحهم و لتأمين العيش الرغد لأبنائهم في الداخل و الخارج و ليذهب الغاشي إذا أراد مع بلده للجحيم فكيف ننتظر منهم أن يصنعوا لنا مجتمعًا و بلدًا محترمًا بين الأمم فضلاً أن يأخذنا الطمع في أن يطوروه ..!؟
    نصف الحل هو أن تحل جمعيات البؤس هذه التي تسمي نفسها أحزاب سياسية و لا تتحدث باسم الشعب أو جزء منه كموقف تاريخي يحسب لها و تمزق أوراق الأنانية و الجهوية و الإديولوجية و تنتظم في جبهة واحدة مع شعبها لإنقاد ما يمكن إنقاذه ..

  • الطيب

    نعم يا محمد المواطن يثير الشفقة و لكن ليس لأنه فقير أو مسكين أو مقطوع من شجرة و لكن لأنه أصبح في بلده خارج لعبة محكمة الإغلاق مثل الأبكم الأعمى الأطرش في الزفة .! ثم هل تظن يا محمد أن الرداءة بإمكانها تأطير المجتمع ؟ كل الكوارث التي أصابت جميع مناحي حياتنا مردها إلى غياب الكفاءة و تفشي سرطان الرداءة ..
    مجتمعنا يعيش التمزق و التفكك بكل ما تعنيه الكلمة و ليس له في الوقت الحالي مَن يعيده إلى جادة الصواب . هؤلاء الذين استحلوا " حلالتلهم " المعيشة بعد أن خلت لهم الساحة و وجدوا أنفسهم هم الجزائر و هم أموالها و هم حاضرها و هم مستقبلها .....