-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

النزوح إلى الجنوب

النزوح إلى الجنوب
ح.م

من أكبر الأزمات، التي ولّدت بدورها مشاكل اقتصادية واجتماعية ونفسية معقدة في الجزائر، النزوح الريفي، الذي أفرغ الأرياف وأفقدها براءتها، وحوّل المدن جميعها إلى محتشدات ومراقد، وبدلا من أن يهتم الجزائري في كيفية العيش حسب الإمكانيات الجغرافية والتاريخية المتوفرة أمامه، صار حلم ابن الريف هو الهجرة إلى المدينة وحلم ابن المدينة هو الهجرة إلى أوروبا، في معادلة ضجر وملل ويأس، لم تعرف الجزائر مثيلا لها، وصار الجنوب بالنسبة للكثيرين إن لم نقل بالنسبة لكل الجزائريين مجرد قطعة من جهنم، من بقي فيها عاش بعيدا عن الحياة ومن توجه إليها وكأنه مطرود من الفردوس.

وقد تكون ترقية عشر مقاطعات إدارية في الجنوب الكبير إلى ولايات كاملة الصلاحيات، بصيص من النور، لأجل إحداث التوازن، وربما إيجاد الكنز المفقود في “نهر الجنوب” بعد أن افتقدناه في “بحر الشمال”.

لا يمكن الاستفادة من الخيرات التي تزخر بها منطقة الجنوب من ذهب وفوسفات ومواد أولية صخرية ولا بالموروث الثقافي والمتاحف الطبيعية وحتى بالأراضي الخصبة التي تبلغ مساحاتها مقدار بلدان أوروبية، من دون أن تكون لنا مدن عملاقة في الجنوب الكبير، فقد أثبتت السنوات بأن إهمال مناطق حاسي مسعود وجانت وبرج باجي مختار، التي تتوفر على الثروات، جعلها أشبه ببلدان أجنبية تسير إما بـ”تيلي كوموند” من الشمال، أو تحت إمرة شركات أجنبية مغامرة كانت تستنزف الذهب بكل ألوانه الداكنة واللامعة، والنازحون من أبناء الجنوب إلى المدن الكبرى، لا يدرون، وبقي الخوف من المناخ بحرارته المرتفعة، الذي صوّر للدولة والشعب منطقة الجنوب على أنها نار لا يمكن الاقتراب منها، وهي أقل حرارة من مناخ الإمارات العربية المتحدة التي هي ضمن جنان الدنيا التي يحلم جزائريون وغيرهم بالعيش فيها.

لا يمكن أن نحلم بالتغيير الكبير والإيجابي إلا بالقرارات الكبيرة ومشاريع الأمة العملاقة، فما تجلبه حاليا تاغيت وتيميمون وجبال الهقار ووادي ميزاب من سياح أجانب لا تجلبه مدن الشمال من قسنطينة إلى وهران، وما تصدّره وادي سوف من منتوجات فلاحية محلية إلى أوربا لا تصدره سهول متيجة وسكيكدة، وقد سمعنا عن زوارق الموت وهي تنقل شبابا وشابات وأطفالا وكهولا من عنابة والجزائر العاصمة وتلمسان في مخاطرة انتحارية من أجل بلوغ الضفة الأوروبية، ولم نسمع عن شباب من جانت أو عين صالح أو أدرار يحلمون بـ”الجنة” الأوروبية، كما فشلت الدولة على مدار عقود من إنجاح مدينة جزائرية واحدة في الشمال واحتلت عاصمتنا مراتب متأخرة في إحصاءات العواصم التي لا تمنح الحياة السعيدة لساكنيها، فلا مدينة ذكية نجحت ولا مدينة نظيفة، بل كانت جميعها ومازالت مجرد مراقد كبيرة تسمع فيها الشخير وأنين الضجر أكثر من صوت دواليب النمو أو عجلات الاقتصاد، لأجل ذلك قد يكون الهروب بالأفكار التنموية أو المشاريع الكبرى التي نجحت في صحراء الخليج والمكسيك والولايات المتحدة الأمريكية إلى الصحراء، أمل آخر ولكن هذه المرة قادم من الجنوب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • igli

    تحليل جميل و اتمنى ان يجد طريقه للعقول و تعيه اذان واعية ...

  • HICHAM

    كلمات في الصميم سيدي الكريم بما اني اسكن الجنوب منذ مده الى ان السلطات العليا ترى في الجنوب بنظره نص عين لانك اذ رايت قواعد الحياه لسونطراك لرايت العجب اما الشوارع الاخرى والمدن فحدث ولا حرج ...