-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“النظرية العظمى”

“النظرية العظمى”

هذه “النظرية العظمى” ليست من اكتشاف العلماء القدماء من المسلمين واليونان، وليست من ابتكار العلماء المحدثين من الألمان والطليان والأمريكان؛ ولكنها من اكتشاف بعض “السياسيين” الجزائريين الذين يعتبرون السياسة “لعبة”، ولذلك فهم يمارسونها كما تمارس نسوة “وادي كنيس” التجارة، بل هنّ أكثر جدية من أولئك “السياسيين”، ولهذا يمكن أن نَصِفَ ما يقومون به بـ”سفاسف الأقوال، وتوافه الأعمال” كما يقول الإمام الإبراهيمي.

 إن هؤلاء “السياسيين” من الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع في هذه الشهور والأيام؛ لا تلاوة للقرآن، ولا تسبيحا للرحمن، ولا طلبا للغفران؛ ولكن تفكيرا في مآلهم ومصيرهم إن رأى الأخ بوتفليقة -لمصلحته الشخصية والمصلحة الوطنية- أن لا يترشح للعهدة الرابعة التي “يُبَرِّحُ” بها هؤلاء “السياسيون” في الأسواق التي يسمونها تجمعات و هرجانات، ويدفعونه إليها دفعا، بل أكاد أقول يَدُعُّونهُ إليها دَعّاً.

  ووالله الذي خلقهم وصوّرهم إنهم لا يفعلون ذلك حُبّاً في الأخ بوتفليقة، ولا حرصا على الجزائر ومصلحتها؛ ولكن لما ينالونه من مناصب، وما يحققونه من مكاسب، ومن سبق له أن خان حزبه فلن يتردد في خيانة غيره.. وأريد بهذا القول أن أشير إلى أن هؤلاء لو ترشح الأخ بوتفليقة و”فاز”، ثم بدا له أن يستغني عنهم لقلبوا له ظهر المجن، ولقالوا فيه أكثر مما قاله مالك في الخمر..

 إن مضمون هذه “النظرية العظمى” هو أن “الدولة تُسَيَّرُ بالمخّ وليس بالكرعين”، وهم يردون بهذا الكلام -الذي لا تقوله لبداهته حتى عجائزنا في الجبال و الصحاري- على من يَدْعُونَ الأخ بوتفليقة إلى عدم الترشح للعهدة الرابعة، حفاظا على سمعته وتاريخه، وحرصا على مصلحة الجزائر، لأن صحته لا تسمح له بالقيام بعبء أمانة تسيير دولة تسبح في بحر لُجيّ من المشكلات الداخلية في جميع الميادين ابتداء من كيس الحليب، وانتهاء بالطريق السيار، مرورا بالخبز والدواء، والماء، والتعليم، والعمل… والسرقات الكبرى والصغرى وما بينهما.. إضافة إلى ما يحيط بها عن أيمانها وشمائلها، ومن فوقها  من أسفل منها من حوادث خطيرة، وهذه كلها تتطلب ممن يريد قيادتها ــ الجزائر ــ أن “يُطَلّقَ” النوم، والاستجمام، داخل الجزائر أو خارجها، وأن يكون ليله كنهاره، وأن يستنّ بسنة المجاهد الأمير عبد القادر الذي قال لزوجه بعد ما بايعه الجزائريون لقيادتهم: لقد كنت لك وحدك؛ أما الآن فقد تقلدتُ من أمر شعبي وبلدي ما يشغلني عنك، فإن كنتِ طالبة مني حقك فالحقي بأهلك…

 ولكي “يقنعنا” المتهافتون على العهدة الرابعة، اللاهثون وراءها بنظريتهم المثقوبة كالغربال، المهترئة كالطريق السيار، الفارغة كالطبل ذي الصوت العالي والجوف الفارغ؛ استشهدوا برئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي سيرها وهو مقعد، مدلسين بذلك على الشعب الجزائري، لأن الفرق بيننا وبينهم كالفرق بين السمك والسِماك، فالولايات المتحدة ذات مؤسسات حقيقية تهتم وتعنى بالصغيرة قبل الكبيرة، في حين أن مؤسساتنا ــ ولا أكاد أستثني ــ يعجز عن وصف أحوالها من أوتي الحكمة وفصل الخطاب.. والدليل على ما أقول هو أن الأخ بوتفليقة لم تطأ رجلاه مبنى المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة طيلة العهدات الثلاث، ولا أتكلم عما يشترطه علماؤنا منذ قرون في كتب السياسة الشرعية فيمن يتولى “إمامة” الأمة وقيادتها، ومنها “القدرة الجسدية وسلامة الأعضاء،  الإحصان”.

 إن هذه “النظرية العظمى” ستتلقفها كليات العلوم السياسية ومعاهدها في الشرق والغرب وستعتبرها “فتحا” أهم من الفتوحات المكية، وتدرسها لطلابها، لأنها تدل على “عبقرية” أصحابها، ولو أحيا الله العالم عباس محمود العقاد وعلم بهذه “النظرية” لتوج بها سلسلة عبقرياته، وألف كتابا تحت عنوان “عبقرية ……….”. ولو أن نوبل أدخل هذا النوع من “العلوم” في جائزته لكان الفائز بها في هذه السنة أصحاب هذه “النظرية”.

 واللهم الطف بالجزائر، فأكثر الذين يتكالبون على قيادتها كمن يريدون أن يسوقوا “الشواحن” ـ أي الشاحنات ـ وهم عاجزون عن سوق الدراجات. ورحم الله الشاعر القائل:

إذا ما أهان امرؤ نفسه      فلا أكرم الله من يكرمه

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!