الرأي

الهدرة‮ ‬والمغزل

عمار يزلي
  • 4762
  • 9

بطبيعتي كثير الكلام (حتى لا أقول ثرثارا كما تتهمني زوجتي ظلما وعدوانا)، ولما تكون الأمور على حالها بيننا في البيت مع الأبناء وأمهم (وأحيانا تكون حاضرة “يمات يماهم”)، استرسل في الكلام في السياسة والدين وكرة القدم وكل ما يهب ولا يدب، ولا أحب أن يقاطعني أو يعارضني أحد. فقط أريد أن يستمتع الناس حول مائدة الفطور باستمتاعي بكلامي وكثرة حكاياتي (المملة في نظرهم، لأنها كالعادة، يقولون، تعود إلى ما مقبل الحرب العالمية الثانية بقليل)، حتى أنني أنسى أن آكل رغم جوعي: فجوع الكلام أمام الأكل وأنت جوعان، يزيد من جوع الكلام‮ ‬جوعا‮ ‬ويشبع‮ ‬البطن‮ ‬أكلا‮.‬

 

هذا لا يحدث إلا نادرا. فأنا عادة لا آكل عندما يكون الأكل شهيا وطيبا، أتكلم فقط عندما لا أجد شيئا مميزا على الطاولة. لكن الأمس، كانت حالة خاصة، فقد شاهدت حلما طويلا (حلم النهار بالنسبة لرجل ينام 15 ساعة وأكثر، كيف لا يكون حلما طويلا، فمن المفروض أن يكون مسلسلا مكسيكيا)، وكنت أرغب أن أرويه عند المغرب، مباشرة بعد السي ـ جارة والماء. لكن الأكل كان شهيا، فلم أرغب في المغامرة بالمقامرة بكلام عن أضغاث أحلام، لا أجد بعدها على الطاولة غير قشور وعظام. ابني الصغير، تصور السيناريو، وكان شغوفا بما على الطاولة، راح يستفزني، وبالتأكيد من وخزة من أخيه المتوسط، لا أعرف من هو فيهما بالضبط، لأنه أملك ثلاثة من المتوسطين أملك CEM.) لكي أغرق في الكلام وأنسى الأكل ليستولي عليه عوض أن أؤممه أنا لوحدي كالعادة. قال لي: بابا، ما هي حكاية الرجل والسبع، الرجل الذي عرفته لما كنت صغيرا..هل‮ ‬كنت‮ ‬صغيرا‮ ‬يوما‮ ‬بابا؟‮.. (‬ضحك‮ ‬الجميع،‮ ‬وفهم‮ ‬الجميع‮ ‬السيناريو،‮ ‬وفرحوا‮ ‬به،‮ ‬وتوهموا‮ ‬أني‮ “‬مارنيش‮ ‬فاهم‮”..‬

قصة الرجل والأسد، كنت قد رويتها لهم أكثر من مرة منذ كانوا صغارا وإلى أن صار أقلهم اليوم 14 سنة. كانوا يريدون تلهيتي فقط، مختصرها أن صديقا قال لصديقه: نفرض أنك تسير في غابة لوحدك وخرج عليك أسد، ماذا تفعل؟. قال. أختبئ وراء شجرة. قال له: لا توجد ولا شجرة. قال‮ ‬له‮: ‬أدخل‮ ‬في‮ ‬مغارة‮. ‬قال‮ ‬له‮: ‬لا‮ ‬توجد‮ ‬ولا‮ ‬مغارة‮. ‬قال‮ ‬له‮. ‬أختبئ‮ ‬وراء‮ ‬صخرة‮. ‬قال‮ ‬له‮: ‬الدعوة‮ ‬صحراء‮.. ‬قال‮ ‬له‮: ‬أهرب‮. ‬قال‮ ‬لي‮: ‬ما‮ ‬عندك‮ ‬وين‮ ‬تهرب‮. ‬قال‮ ‬له‮: ‬قل‮ ‬لي‮.. ‬أنت‮ ‬صاحبي‮ ‬وإلا‮ ‬صاحب‮ ‬السبع؟‮.‬

رويت لهم القصة بتمطيط لا ينتهي، وكانوا يعتقدون أني سأطيلها أكثر فأكثر. سكتت ولم أجب ورحت آخذ الملعقة وأغرف من الصحن مرق الدجاج المحمر مع الفطر الأصفر والفريت المذهب، فكرر الابن: بابا، أحك لنا قصة الرجل.. فرفعت الملعقة من الصحن، قائلا: كان واحد الراجل.. ولم‮ ‬أر‮ ‬إلا‮ ‬الملاعق‮ ‬تتهاوى‮ ‬على‮ ‬الصحن‮. ‬وانهالت‮ ‬معهم‮ ‬ملعقتي‮ ‬وأنا‮ ‬أقول‮:… ‬ومات‮…‬

مقالات ذات صلة