الرأي

الهّمُّ المُتجدد

ينتظر المسلمون الصادقون شهر رمضان المعظم بشوق كبير لما يجدون فيه من روحانيات و معاني لا يجدونها في غيره من الشهور و الأعوام، و ما ذلك إلا لأنه مشحونٌ بهذه اللطائف التي تسري في أجسامهم، و تتغلغل في كياناتهم فتجعلهم يعيشون و كأنهم ليسوا أيقاظا، بل كأنهم في عوالم أخرى، و لذلك كان رسول الله ـ عليه الصلاة و السلام ـ يدعو الله ـ عز وجل ـ أن يُبلّغنا رمضان، و كفى بجماله و جلاله أن تُصَفد فيه الشياطين، و تُفتّح أبواب الجنّة، و الملائكة مُستبشرين فرحين بعباد الله الذين جعل الله ـ عز وجل ـ خَلُوفَ أفواههم أطيب من ريح المِسك.

و لكن هذا الاستبشار و هذه الفرحة لا نشعر بهما في هذه السنوات الأخيرة، بل الذي نُحس به يكبتُ على صدورنا هو الهمّ و الغمّ لا استثقالا لهذه العبادة ـ عياذا بالله من ذلك ـ و لكن لأننا نستقبلها و نحن نسبحُ في بحرٍ من الفِتن، لم ينجُ منها أي بلد من البلدان الإسلامية. و من أظهر هذه الفتن التي تُذهب بهاء الشهر الفضيل و رونقه هذا الاختلاف الشنيع الذي يستقبل به المسلمون في مشارقهم و مغاربهم بداية شهر رمضان و نهايته، حيث يصل هذا الفارق أحيانا إلى ثلاثة أعوام.

سيقول المجادلون بالباطل إن ذلك يعود إلى اختلاف المطالع، و ذلك أمر مَرْعِيٌ منذ القدم، و الرد على هؤلاء هو أن للإسلام مقاصد، و من أهم مقاصده أخوة المسلمين و وِحدتهم، و السؤال هو أين هي هذه الأخوة ؟ و أين هي هذه الوِحدة مع هذا التشرذم في المدينة الواحدة ؟

و إذا كان هذا الاختلاف “مقبولا” في الأزمنة الخالية بسبب بُعدِ المسافات و تأخر المواصلات، فما هي عِلّة قبوله الآن مع التطور الكبير في وسائل الاتصال، و بالتالي فلا عُذر في هذا الاختلاف، حيث صار العالم “بيتا” كما يقول الإمام الإبراهيمي، و هل يمكن تحت ذريعة اختلاف المطالع أن يختلف “الإخوة” في بيت واحد في بدء صوم و في ختامه.

لو كنا مسلمين و إخوة كما قضى الله ـ عز وجل ـ لصمنا جميعا في يوم واحد، و لأنهينا الصيام في يوم واحد، لأن العالم الإسلامي كله يشترك كما يقول أهل الاختصاص في جزء من الليل.

و قد نُجاري المجادلين فنجعل لاختلاف المطالع حظا من الاعتبار فهل يوجد بين مغنية في الجزائر و وجدة في المغرب اختلاف مطالع ؟ و هل يوجد بين عبدان في إيران و البصرة في العراق اختلاف مطالع ؟

لقد صحّت في سبعينيات القرن الماضي عقول وزراء الأوقاف و الشؤون الإسلامية في العالم الإسلامي، و عقدوا مؤتمرا في الكويت، و اتفقوا أن يُوحِدوا الشهور القمرية، و أن يُؤسسوا مرصدا فلكيا في مدينة الطائف تلتزم ببياناته المحدِدة لأوائل الشهور جميع الدول الإسلامية، فنصوم في يوم واحد و نُفطر في يوم واحد، و نحققُ بذلك مقصد الشارع الحكيم، و لكن علماء دولة عربية استعملوا “الفيتو”، فبطل ذلك القرار المُفرح، و أماته أصحاب السماحة و الفضيلة.

إنني أستقبل رمضان بالحالة نفسها التي استقبلته بها في السنوات الخالية، و سأبقى و من على ملتي و اعتقادي حتى يقتنع من نقلوا العِقالَ من الرجل إلى الرأس، و عدلوا به من الأباعيرِ إلى الناس ؛ يقتنعوا بأن هذه الأمة أمة واحدة، و أن أفرادها إخوة.

و كل عام و نحن إن أردنا بخير..

مقالات ذات صلة