الرأي

امتحان للدولة أم للطلبة؟

يخيّل للمتتبع للشأن التربوي، واستعداد الدولة للامتحان الجزئي أو الاستدراكي الخاص بشهادة البكالوريا التي ستجري لأول مرة في شهر رمضان، بأن الذي سيُمتحن هو الدولة، وليس قرابة نصف مليون طالب بين نظامي وحرّ، ونخشى أن يتحوّل الترقب الذي من المفروض أن يوجّه للطالب الذي يُكرم عادة يوم الامتحان أو يُهان، حسب تحصيله طوال سنوات تعليمه، إلى دولة تنفق أموالا طائلة، وتقدم واجبا لا تُشكر عليه، قد يتحوّل إلى منّ ومزيّة، وقد تعلن نجاحها الباهر ويصبح رجالاتها رموزا، وسيدتها “نورية بن غبريت” بطلة قومية لو مرّ الامتحان “العادي جدا” من دون تسريبات، كما حدث في شهر شعبان، عندما حلقت الأسئلة والأجوبة في الفضاء الافتراضي، كما تحلق “رسائل الغرام والنكت” بين رواد “الفايس بوك”.

لقد اعترف السيد مولود حمروش عندما كان يقود الحكومة، منذ ربع قرن، بأن الدولة الجزائرية تنفق على شهادة البكالوريا ظرفا ماليا، يفوق ميزانية دول إفريقية كثيرة، والمنطق يقول بأن هذا الإنفاق من المفروض أن ينحت الامتحان، مُجسما، من دون تشويه، وفي زمن التقشف وبكاء الدولة والشعب على أطلال “ريع النفط”، تنفق الدولة بدل الظرف الواحد، ظرفين ماليين ضخمين، في بضعة أيام، وتدخل وزارات أخرى من “داخلية واتصال ونقل وعدالة وصحة” غير وزارة التعليم في حكاية البكالوريا لأجل مساعدة السيدة نورية..عفوا الطلبة، في اجتياز البكالوريا، ومع ذلك ندخل الامتحان في رعب، بعد أن مرّت الفضيحة السابقة من دون إقالة أو استقالة أو تأنيب أو حتى لوم، في وطن كان يصنع من البكالوريا هويّته وأيام فرحه ورجالات مستقبله.

لا نقرأ هذه الأيام في ساعات “المخاض” العسيرة قبل “وضع” مولود البكالوريا التوأم”، إلا أرقام الملايير وطوارئ وتحذيرات وتأكيدات وتطمينات واستنفار وطائرات عسكرية ستنقل الأسئلة، من أجل أن يمرّ الامتحان الجزئي من دون فضائح، عاشها الامتحان الكلي، وهو ما يوحي بأننا مقبلون على سنوات تعليمية عجاف، الناجح فيها ليس بالضرورة الأحسن، والفاشل فيها قد يكون مشروع حل لأزماتنا المتعددة قد تبخّر.

سيكون من الإجحاف ومن الظلم أن نحمّل السيدة نورية بن غبريت، لوحدها التعب المعنوي الذي عاشه الملايين من الطلبة وأهاليهم، من شعبان الامتحان، ورمضان الإعادة، وشوال النتيجة، ونحملها الملايير الضائعة التي أنفقتها الدولة على امتحان فشل، وستنفقها على امتحان مكرّر معرض أيضا للفشل، وسيكون من اللاعدل أن نتحدث عن الغصن المائل، ونتجاهل الجذع المغروس في التراب منذ عقود والأضلاع المحيطة به، ولكن لحامل الحقيبة أن يتحمل أيضا تواجده على خشبة المسرح كبطل أول لمسرحية، تنتهي فصولها دائما مثل روايات المسرحي الإنجليزي “تشارلز ديكينز” التي تختتم بالأسى الذي يتجرعه المواطنون، وتبقى هي مثل الإمبراطورة البيزنطية “ثيودورا” التي ظلت تخطئ دائما ويدفع الآخرون الثمن لوحدهم، وعندما ينجحون – كما هو وارد في الامتحان الجزئي المكرّر – يعلق على صدرها مزيدا من النياشين ولوحدها؟ 

مقالات ذات صلة