الرأي

انتخابات أم مسابقة توظيف!

محمد يعقوبي
  • 4322
  • 14

استعرت هذا العنوان من أحد الأصدقاء الكتاب، لأنني وجدته أبلغ وصف يمكن أن ينطبق على ما يجري في الحملة الانتخابية، فرغم لامبالاة الشارع، بل واستهجان الغالبية من الجزائريين لهذا الحدث المستنسخ من تجارب انتخابية فاشلة تعود عليها الشعب خلال الـ 20 سنة الماضية، إلا أن سباق المترشحين لهذا الموعد يزداد اشتعالا كلما اقتربنا من نقطة الصفر، بل ويستعمل المترشحون من الوسائل ما يوحي بأن العملية أبعد ما تكون عن الاستحقاق الانتخابي وأقرب إلى مسابقة توظيف لأكثر من 460 منصب شغل مغر يتجاوز فيها الراتب 30 مليون سنتيم، غير أن الطلب على هذه المناصب القليلة تجاوز المعقول بعشرات الآلاف ومثلما يفعل المتقدمون لمسابقات التوظيف سيستعمل المترشحون للبرلمان كل أدوات الغش للوصول إلى مبتغاهم..

أليس غشا أن يملأ مترشح أو رئيس حزب قاعة التجمع بمواطنين من ولايات وبلديات مجاورة؟ أليس غشا أن يقول مترشح أنه سيقضي على البطالة والفقر في سنة؟، أليس غشا أن يؤجر مترشحون بلطجية للاعتداء على رؤساء أحزاب ومترشحون؟.. أليس غشا أن يعلق مترشح قائمته في كل لافتات منافسيه؟، أو يمزق مترشح كل لافتات منافسيه؟.. أليس غشا وتدليسا أن يستغل الأطفال في الحملة الانتخابية؟ أليس جرما أن تشترى الأصوات باستغلال فقر الفقراء وحاجة المحتاجين وبطالة البطالين؟. أليس عيبا أن يكون برنامج جل المترشحين هو سب وشتم باقي المترشحين؟ أليس عيبا أن تخلو برامج المترشحين إلا ما ندر من رؤية سياسية واقتصادية لإصلاح أوضاع البلد؟.. إنها بحق دلائل قطعية تكشف لنا سبب عزوف الجزائريين عن الانتخاب رغم أهمية الموعد، لأن المواطن البسيط أصبح يرى في هذه الانتخابات فرصة لاغتناء المترشحين وليس فرصة له لإصلاح أوضاعه، إنها فرصة لرجال الأعما ل والمفلسين سياسيا والمتخمين سلطة ومالا، أن يزدادوا غنى وثراء ونفوذا على حساب مشاكل المواطنين، الذين جربوا فيما سبق الوقوف مع مترشحين آخرين، لكنهم خانوا الأمانة وخدموا مصالحهم وغيّروا إقامتهم وتزوجوا على زوجاتهم، وإن خدموا أحدا فليس أكثر من أقربائهم ومقربيهم وأهاليهم، وتخرجوا من البرلمان بسجل حافل بالخيانات والسرقات أو لنقل أن جزءا كبيرا منهم كانت هذه حصيلته إلا ما ندر.

ما يحدث في مسابقات التوظيف هو تماما ما يحدث في هذه الانتخابات، وإذا كان الغش هو السمة التي اتفق حولها أغلب المترشحين، فإن الأخلاقيات التي يلعق الشباب مرارتها من خلال انجاح من لا يستحقون في مسابقات التوظيف هي نفسها المخاوف التي تحوم حول الإدارة التي تعود الجزائريون أنها تسرق أصوات الشعب لتعطيها لأحزاب السلطة دون غيرهم.. فالجميع متواطئ على الغش في استحقاق يعتبر مهما لإعادة تأسيس المشهد السياسي على أسس ديمقراطية، ويبقى الحل الوحيد لإغراق هذه الممارسات وفضحها وتفويت الفرصة على الغشاشين وهو قوة المشاركة في الانتخابات، لأن المواطن على درجة من الوعي تجعله يعاقب بصوته كل من يمارس عليه الاحتيال والنصب ومن يبحث عن الاغتناء والاسترزاق من هذه الفرصة الانتخابية، ومن أعطيت له فرص سابقة ولم يستثمرها، بل خان الأمانة وعاد ليترشح من جديد.

إنها إذن مسابقة توظيف إلى أن يثبت الشعب عكس ذلك بالمشاركة القوية التي تعيد الاعتبار للمؤسسة التشريعية.

مقالات ذات صلة