الجزائر
بعد شهر من الانسداد داخل الغرفة السفلى

انتخاب معاذ بوشارب.. نهاية أزمة أم بدايتها؟

الشروق
  • 2459
  • 19
ح.م
معاذ بوشارب

هل سينهي الأزمة انتخاب رئيس جديد للمجلس الشعبي الوطني، خلفا للرئيس السابق السعيد بوحجة، الذي يصر على أنه الرئيس الشرعي؟ هذا هو السؤال الكبير الذي برز إلى السطح منذ أن خلصت الجلستين العلنيتين اللتين التأمتا أمس، لتثبيت حالة شغور منصب رئيس المجلس، وانتخاب رئيس جديد. فـ”عمي السعيد” يرفض تقديم الاستقالة، أما الرئيس الجديد فسيشرع في مهمته الجديدة، وهي الحالة غير المسبوقة التي لم تشهد لها الغرفة السفلى مثيلا.

فكيف يتم التعامل مع هذا الوضع؟ هل سيتدخل المجلس الدستوري باعتباره الهيئة الدستورية الكفيلة بمعالجة هذه المنازعات، أم أنه سينآى بنفسه عن هذا الجدل؟ وما موقف رئيس الجمهورية مما جرى، وهل سيتدخل لغلق الباب أمام المشككين ويقرر حل المجلس والدعوة لانتخابات تشريعية جديدة؟ ثم ما هي تداعيات هذا المعطى على المشهد السياسي وعلى معسكر الموالاة ذاته، الذي شهد خروجا عن الصف، تمثلت في موقف التحالف الوطني الجمهوري الرافض لما حصل؟ وماذا عن مقاطعة المعارضة لانتخاب الرئيس الجديد وأثرها على العلاقة مع الموالاة؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول “الملف السياسي” لهذا العدد الإجابة عليها.

التداعيات السياسية لأزمة المجلس
تململ في معسكر الموالاة ولا مبالاة في المعسكر الآخر

طويت صفحة رئاسة السعيد بوحجة للمجلس الشعبي الوطني، بالكيفية التي أرادتها الأغلبية البرلمانية، وبات معاذ بوشارب، النائب عن ولاية سطيف، ثاني رئيس للغرفة السفلى للبرلمان في عهدة تشريعية واحدة، يخلف رئيسا دُفع للاستقالة في عملية يمكن وصفها بأنها “كسر عظم”.

وتشبه الحالة التي عاش المجلس الشعبي الوطني على وقعها منذ أزيد من شهر، بتلك التي عاش المجلس على وقعها في العام 2004، عندما كان رئيسه آنذاك، كريم يونس، أحد أبرز وجوه المعسكر الخاسر في الانتخابات الرئاسية التي جرت في العام ذاته، والذي تزعمه المرشح علي بن فليس.

وإن كانت النهاية واحدة بالنسبة لبوحجة وكريم يونس، إلا أنها اختلفت في بعض الحيثيات، فكريم يونس وعى الدرس جيدا منذ البداية وقرر الانسحاب في هدوء، بعدما اقتنع بأن أيامه انتهت كثالث رجل في الدولة في ذلك الوقت (قبل أن يتغير الدستور).

غير أن “عمي السعيد”، كما يحلو للبعض تسميته، لم يقدم استقالته رغم الانتفاضة التي قادها نواب الموالاة ضده، لأنه بقي متشبثا بخيط من الأمل، مفاده أنه لم يقدم على أي عمل من شأنه أن يغضب الرئيس ومعسكره، كما أصر على أنه “قطعة أساسية” في مشروع العهدة الخامسة، ولذلك كان يرد على من طالبوه بالاستقالة، بأن توليته منصب رئيس المجلس، جاءت بمباركة من القاضي الأول، ومن ثم فتركه لهذا المنصب يتعين أن يحصل بإشارة من مصدر القرار ذاته.

ولعل هذا المعطى هو الذي أدى إلى كل هذا الضجيج والجدل اللذين رافقا عملية إزاحة بوحجة، كون الرجل رفض الانصياع للضغوط، وتمسك برفضه تقديم الاستقالة، الأمر الذي وضع الغرفة السفلى أمام حرج قانوني ودستوري غير مسبوق، منذ إنشاء هذا المجلس في العام 1977.

وإن تمت تزكية معاذ بوشارب كرئيس للمجلس، وخطب شاكرا لرئيس الجمهورية، مثلما أثنى على النواب وعلى الثقة التي وضعوها فيه، إلا أن ذلك سوف لن يغلق باب السجال على المستويين القانوني والدستوري، بشأن تنحية بوحجة وانتخاب خليفة له، والذي يرجح أن يستمر إلى غاية نهاية العهدة التشريعية الحالية التي لم ينقض من عمرها سوى أقل من سنتين فقط.

آخر موقف صدر من بوحجة بهذا الخصوص، هو ذلك الذي أكد فيه أنه سوف لن يستقيل من منصبه، وهذا يعني أن مسألة شرعية رئاسة المجلس الجديد، ستبقى مطروحة وبقوة إلى غاية ربيع 2002، لأن الإجراءات التي لجأ إليها خصومه، تبقى محل تساؤلات في ظل النظام الداخلي للمجلس، وكذا الدستور، لأن النصوص الناظمة، تتحدث عن الوفاة أو الاستقالة، كي يتم انتخاب رئيس جديد وهما غير متوفرتين.. أما حالة العجز التي تم الدفع بها، فقد لقيت تشكيكا من قبل العديد من خبراء القانون الدستوري، لأن الرجل على قدر كبير من الوعي الذهني والقوة الجسدية.

تداعيات الإطاحة برئيس المجلس السابق، يبدو أنها بدأت تلقي بظلالها على المشهد السياسي، فقد قررت الأحزاب السياسية الممثلة في الغرفة السفلى، مقاطعة جلسة التصويت على الرئيس الجديد، أما أعنف رد بهذا الخصوص، فكان ذلك الذي صدر عن رئيس التحالف الوطني الجمهوري، الوزير المنتدب للجالية الجزائرية في الخارج سابقا، بلقاسم ساحلي، الذي أعلن استقالته من المجلس، احتجاجا على ما حصل لبوحجة، في واحدة من الحالات النادرة جدا.

ومعلوم أن ساحلي يعتبر من الأحزاب الموالية، وقد سبق له أن قاد محاولة للوساطة بين السعيد بوحجة وخصومه مباشرة بعد اندلاع الأزمة، وهي المبادرة التي قوبلت بموافقة من طرف رئيس المجلس، غير أن المبادرة ذاتها قوبلت باستهجان من قبل الطرف الآخر، ممثلا في نواب الموالاة الذين رفضوا أي محاولة للحوار مع بوحجة.

أمين عام التحالف الوطني الجمهوري بلقاسم ساحلي:
أحزاب الموالاة “داست” على القانون.. وعلى الرئيس حل البرلمان

اتهم أمين عام حزب التحالف الوطني الجمهوري، بلقاسم ساحلي، أحزاب الموالاة، بـ”الدوس” على المادة 10 من القانون الداخلي للغرفة السفلى للبرلمان، وقدر بأن الإعلان عن شغور منصب الرئيس سابقة خطيرة تهدد استقرار مؤسسات الدولة ومقوماتها، خصوصا وأن المجلس الدستوري لم يفصل ولم يشرح معنى العجز، مثلما قال. ساحلي استغل الفرصة ليدعو رئيس الجمهورية، إلى استعمال صلاحياته لإنهاء الأزمة وذلك عبر حل المجلس، فيما أكد أن استقالته كنائب بالغرفة السفلى، ستوضع تحت تصرف المكتب الوطني لحزبه للفصل فيها.

بات المجلس الشعبي الوطني برأسين، السعيد بوحجة يرفض تقديم استقالته، فيما تم انتخاب رئيس آخر.. ما تعليقكم على هذا المشهد؟

تعليقنا على المهزلة التي تحدث بالغرفة السفلى للبرلمان واتجاه نواب أحزاب الموالاة لإعلان شغور منصب رئيس المجلس، عبرنا عن رفضه بمقاطعة الجلسة العلنية، كما أوضحنا ذلك في بيان رسمي للحزب، انطلاقا من مبررات قانونية لا شخصية ولا حزبية، وذلك استنادا لأحكام المادة 10 من القانون الداخلي للمجلس.

نعم، لدينا نوابا منتخبين بهذه الهيئة ولكن نقول لممثلي أحزاب الموالاة، إن ما أقدمتم عليه خطوة غير قانونية تتحملون مسؤوليتها، ونحن كنواب عن التحالف الوطني الجمهوري قاطعنا الجلسة العلنية لإثبات شغور منصب الرئيس وانتخاب رئيس جديد، بتعليمات من قيادة الحزب، مع الاحتفاظ بعملهم كنواب على مستوى اللجان في هياكل المجلس.

نحن أمام مشهد غير مسبوق.. رئيسان لمجلس يتنازعان الشرعية.. ما هي تداعيات ذلك من الناحيتين السياسية والدستورية؟

نعم، النتيجة التي وصلنا إليها اليوم، تعتبر سابقة خطيرة على استقرار مؤسسات البلاد وتضرب مقومات دولة المؤسسات في الصميم، ناهيك عن كل هذا، فإن إعلان شغور رئيس المجلس يتنافى حتى مع توجيهات رئيس الجمهورية.
وكما قلت نحن سجلنا موقفا واضحا وصريحا ضد التنحية غير القانونية لرئيس المجلس، لاعتبارات قانونية استنادا لمضمون مادة صريحة واضحة، كما أسلفت.

هناك من يرى أن ما يجري من تنازع لصلاحيات رئاسة الغرفة السفلى للبرلمان، يعتبر مدعاة لحل المجلس الشعبي الوطني، لإنهاء أزمته.. ما قولكم؟

على مستوى حزب التحالف الوطني الجمهوري، اقترحنا خيار إخطار المجلس الدستوري من أجل الشرح والتدقيق في معنى كلمة العجز المذكورة في المادة 10 من القانون الداخلي المنظم لسير الغرفة السفلى للبرلمان، لكن إخواننا في أحزاب الموالاة اعتبروا حالة الانسداد التي شهدها المجلس الشعبي الوطني عجزا، فيما يفسر البعض الآخر حالة العجز بالعجز الطبي، وفي هذه الحالة وإذا ما تم إخطار المجلس الدستوري، وشرح وفصل في معنى العجز على أنه يتضمن حالة الانسداد كما تبنت أحزاب الموالاة، سنكون من المباركين، أما إذا تم تفسيرها عكس ذلك فعلى الجميع احترام القانون، وإما تدخل رئيس الجمهورية، في استعمال صلاحياته الدستورية كاملة في حل البرلمان.

ألا تعتقدون أن استمرار أزمة رئاسة المجلس، سيعزز اتهامات الأطراف المشككة في مصداقية وشرعية المجلس المطعون فيها مسبقا؟

لا أعتقد ذلك، لأن شرعية المجلس لا علاقة لها بالصراع الحالي، فالهيئة انتخبت بطريقة شرعية وفي ظل احترام لقوانين الجمهورية، أما الآن فنحن أمام شرعية رئيس جديد للمجلس بعد لجوء نواب الموالاة لإعلان حالة الشعور بداعي العجز، وكما ذكرت، هنا بالتحديد، كان يجب تحكيم المجلس الدستوري لشرح معني العجز المذكورة في محتوى المادة 10، قبل الوصول لانتخاب رئيس جديد.

أصدرتم بيانا أعلنتم من خلاله استقالتكم كنائب من الغرفة السفلى للبرلمان، لماذا؟

نعم، هي استقالة سياسية تعبيرا عن موقفنا مما يحدث حاليا بالمجلس الشعبي الوطني، وأعتقد أن القانون واضح بهذا الخصوص، ويجب على الجميع الالتزام بأحكامه ونصوصه، وأشير هنا إلى أن استقالتي ستوضع تحت تصرف المكتب والمجلس الوطنيين للحزب للفصل فيها لاحقا.

القيادي والناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي، شهاب صديق:
أزمة الغرفة السفلى تجاوزناها بانتخاب رئيس شاب

تفاءل الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي، شهاب صديق، بتجاوز المجلس الشعبي الوطني الأزمة التي ضربته بعد سحب الثقة من الرئيس السابق، السعيد بوحجة، وقدر القيادي في حزب أحمد أويحيى، بأن انتخاب رئيس جديد شاب سيضفي نفسا جديدا على سير الغرفة السفلى ويمكنها من تجاوز عثراتها. كما نفى شهاب صديق في الوقت ذاته، التسريبات التي تتحدث عن إقدام الرئيس بوتفليقة على حل المجلس بسبب هذه الأزمة، وأكد أن ذلك لن ولم يكن يوما في نية أي طرف معني مباشرة بهذه القضية.

بات المجلس الشعبي الوطني برأسين، السعيد بوحجة يرفض تقديم استقالته، فيما تم انتخاب رئيس آخر…. ما تعليقكم على هذا المشهد؟

نحن لا نرى في التجمع الوطني الديمقراطي أن المجلس يسير برأسيْن، باعتبار أن هياكل المجلس قد تصرفت بحكمة، وذلك بعدما لجأت إلى الجلسة العلنية للفصل في هذه القضية.

وبمجرد انعقاد الجلسة العلنية والبت في التقرير الذي قدمته لجنة الشؤون القانونية والإدارية، أصبح منصب رئيس المجلس الشعبي الوطني شاغرا، ومن ثم فمنطقي أن يتم اتخاذ قرار انتخاب رئيس جديد، والأخير أصبح الآن رئيسا شرعيا للغرفة السفلى للبرلمان.

نحن أمام مشهد غير مسبوق.. رئيسان لمجلس يتنازعان الشرعية.. ما تداعيات ذلك من الناحيتين السياسية والدستورية؟

أكرر وأقول إنه ابتداء من بت المجلس وبهياكله الشرعية في شغور منصب رئيس المجلس الشعبي الوطني وانتخاب رئيس جديد يخلفه، انتهت شرعية الرئيس السابق، الذي سحب منه أغلبية النواب الثقة، وطالبوا برحيله.

هناك من يرى أن ما يجري من تنازع حول صلاحيات رئاسة الغرفة السفلى للبرلمان، يعتبر مدعاة لحل المجلس الشعبي الوطني، لإنهاء أزمته.. ما قولكم؟

هذا أعتبره محاولة انتقام من الرئيس الجديد لا غير، فالادعاء بحل المجلس الشعبي الوطني، لن ولم يكن يوما في نية أي طرف معني مباشرة بهذه القضية… والتساؤل الذي يحق لنا أن نطرحه هو كيف يدعون إلى حل المجلس الشعبي الوطني وهو يؤدي وظائفه التشريعية ومهامّه الدستورية على أحسن وجه.
والمشكل في الرئيس السابق، هو غياب ما صح أن نسميه تناغم أو ظهور انسداد وعدم تجاوب من طرف أغلبية النواب، مع طريقة تسيير الرئيس السابق. وهذه القضية تم الفصل فيها عن طريق نزع الثقة منه من قبل غالبية النواب.

ألا تعتقدون أن استمرار أزمة رئاسة المجلس، سيعزز اتهامات الأطراف المشككة في مصداقية وشرعية المجلس المطعون فيها مسبقا؟

أنا لا أعتقد أنّ استمرار الانسداد في المجلس الشعبي الوطني، سيتواصل بعد انتخاب رئيس جديد. أمّا بخصوص مصطلحات على غرار الشرعية والمصداقية، فهذه القضية طرحت وتطرح كل مرة عند كل عملية انتخاب مجلس جديد أو هيئة جديدة، ونحن قد اعتدنا على هذه التصريحات التي تشكك فيه، ونحن نعتبرها تشكيكا في حق هيئات منتخبة.
وبالتالي، فنحن لا نعطي لهذه الشكوك أي اهتمام، بل نقوم بتجاهلها لأنها في الأساس غير صحيحة، أو هي نظرة خاطئة من البعض تجاه المؤسسات المنتخبة عموما.

كيف تتوقعون مرحلة ما بعد انتخاب رئيس آخر للمجلس.. بمعنى هل ستنتهي الأزمة أم تشتد وتتعقد؟

بالتأكيد ستنتهي الأزمة بعد انتخاب رئيس جديد، وكما أنه نظرا للمواصفات التي يتحلى بها الرئيس الجديد للمجلس الشعبي الوطني، سيكون هنالك الكثير من الإيجابيات، أوّلها سينعكس أمر انتخاب رئيس جديد إيجابيا على مردود الهيئة التشريعية، وذلك من حيث طريقة التسيير والتسريع في وتيرة مشاريع القوانين وما إلى ذلك من ديناميكية، وأيضا نظرا لتشبيب هذا المنصب.

وأرى أيضا أنه وللتّجربة التي يتحلّى بها الرئيس الجديد، وأيضا للإرادة التي يمتلكها نواب الأغلبية، ومسعاهم لإضفاء وإعطاء نفس جديد للهيئة التشريعية، في ظل انتخاب رئيس جديد، سنفتح مرحلة جديدة.

مقالات ذات صلة