انهار سعر البترول… انهارت المعنويات
يكذب كل مواطن على نفسه، حين يزعم بأن انهيار سعر النفط لا يهمّه، ويكذب كل من يدعي بأنه مقتنع بأن انهيار سعر النفط، سيتحول إلى أزمة ستلد هِمّة العمل، كما حدث في أندونيسيا، وتكذب السلطة لو زعمت بأنها احتاطت، لسد هذه الفراغات المالية المقدرة حاليا بملايين الدولارات، وستقدر لاحقا بملايير الدولارات، لأن فاقد الشيء لا يعطيه كما يقول ويُطبق المثل العالمي وليس العربي.
يظن بعض المواطنين أو يُخيّل لهم بأنهم لم يستفيدوا أبدا من ريع النفط، جاحدين عقود مجانية التعليم في كل أطواره والصحة وبقية الخدمات، التي تقدمها الدولة، ليس حبا في المواطن، وإنما كسياسة تنويم مغناطيسي، اتضح مع مرور الوقت أنها أنامت السلطة، قبل المواطنين، وتظن السلطة بأنها قدمت لمواطنيها السمكة طازجة، وعليهم أن يقبّلوا يديها ليل نهار، ونسي المواطن ونست معه السلطة، أننا رفضنا دائما تعلّم الصيد، بدلا من أن نبقى تابعين لنعمة النفط التي منّ بها الله على الجزائريين ليجعلوها بنزينا لقطار يسير إلى عالم التقدم، فنضب البنزين ولم يغادر القطار سكته، بل إنه سار إلى الخلف.
المتصفح لعالم الاقتصاد، يرى أن أسعار النفط تقلق الشاري في حالة ارتفاعه فقط، وغالبية الدول المصدّرة وجدت لنفسها مصادر اقتصادية أخرى، بل إن البعض منها مستعد لأن يعيش من دون نفط، وجميعها تمكنت من تحويل بلادها إلى جنان سياحية وقوى علمية واقتصادية، بينما بقي الحال عندنا غير مختلف عن سنوات الثورة الزراعية والقرى الاشتراكية، وسياسة أكبر مصنع وأكبر ملعب وأكبر جامعة، عندما كان سعر برميل النفط دون العشرة دولارات.
وعندما يصبح المشروع القومي للأمة، هو استنزاف النفط لأجل بناء الملايين من المساكن الاجتماعية، وعشرات الجامعات وتشغيل الشباب في عقود ما قبل التشغيل، فإننا نكون قد استهلكنا هاته الأموال، التي هي هبة من الله في تعاطي مسكنات لا يلبث تأثيرها وأن ينتهي، ويعود الألم مرّة أخرى، ولكن هذه المرة من دون أن نجد هذا الدواء أو هاته المسكنات التي تناولناها بأموال النفط.
السؤال المطروح بعد أن أصبحت عودة أسعار النفط إلى ما فوق المئة دولار، غير واردة حسب اقتصاديين هو: هل مازال الوقت أمام الجزائر لتنقذ الاقتصاد الجزائري المرتبط بالحالة الاجتماعية والنفسية للمواطن من العاصفة؟
سنكون متفائلين جدا لو قلنا بأن للجزائر خيرات متنوعة بإمكانها أن تستغلها على المدى القريب والمتوسط، لأن الزراعة، في أحسن الأحوال، ستمكننا من الاكتفاء الذاتي وليس من التصدير، بعد أن امتلأت الأسواق العالمية بمنتجات بلاد، أمضت عقودا كثيرة وهي تجتهد في عالم الزراعة، ولأن السياحة في أحسن الأحوال، ستمكننا من أن نسيح نحن في فنادقنا، لأن بقية البلدان سبقتنا بسنوات ضوئية في هذا المجال.
وسنكون أيضا واقعيين إذا سلّمنا بأن النسبة الكبيرة من ريع النفط، ذهبت في ما لا ينفع، وتوقيف هذا التبذير، سيجعلنا نرتاح من صناعة هؤلاء الفاشلين الذين بنوا على أنقاض الوطن إمبراطورياتهم المزيفة.