الجزائر
تراجع المصطافين بها إلى النصف

بجاية تسجل أسوأ مواسم اصطيافها

الشروق
  • 14950
  • 28
أرشيف

عاشت ولاية بجاية هذا العام واحدا من أسوإ مواسم الاصطياف على كل الأصعدة، بعدما تحالفت فيه كل الظروف، لإطلاق رصاصة الرحمة على واحدة من أجمل وأروع القبلات السياحية بالجزائر، التي كان مجرد اسمها يمثل إغراء بحد ذاته للمصطافين والسياح، بالرغم من النقائص المسجلة بها، في ظل غياب إرادة حقيقية، يكون فيها الجميع فاعلا، لإعادة الوهج لشمعة البحر المتوسط، التي تتوفر على كل المقويات السياحية، الكفيلة بجعلها قطبا سياحيا بامتياز.
يعد تراجع عدد المصطافين المقبلين على مختلف شواطئ الولاية، واحدا من أبرز الانعكاسات السلبية، التي تمخضت عن الإخفاق الكبير لموسم الاصطياف بولاية بجاية هذا العام، حيث إن زائر شواطئها الشرقية منها والغربية، منذ الافتتاح الرسمي لموسم الاصطياف، يتوقف عند الإقبال المحتشم للمصطافين عليها، على خلاف ما سجل خلال السنوات المنصرمة، حيث أضحى عددها ببعض الشواطئ، يعد على أصابع الأيدي، هذه الوضعية تترجمها أرقام مصالح الحماية المدنية، التي سجلت تراجعا كبيرا في عدد المصطافين، قدر خلال شهري جوان وجويلية، مقارنة بالسنة المنصرمة، حيث قدر عدد المصطافين المتوافدين على الشريط الساحلي للولاية، خلال شهر جوان المنصرم بـ 405 ألف مصطاف فقط، في حين إن عدد المصطافين خلال نفس الفترة من السنة المنصرمة التي تزامنت مع شهر رمضان، بلغ حد 810 ألف مصطاف. هذا التراجع تواصل خلال شهر جويلية المنصرم، حيث قدرت مصالح الحماية المدنية خلاله مليوني و268 ألف مصطاف، في حين إن العدد خلال جويلية 2017 كان يقدر بـ 4 ملايين و425 ألف مصطاف.
هذا التراجع عزاه متتبعون للشأن المحلي إلى جملة من العوامل، التي دفعت المصطافين إلى النفور من التوافد على الولاية.

ظاهرة غلق الطرقات أرعبت ضيوف الولاية

لعبت ظاهرة غلق الطرقات على مستوى ولاية بجاية، دورا كبيرا في تنفير المصطافين منها، بعد الترويج الكبير الذي لقيته معاناة المواطنين المحتجزين عبر مختلف محاورها، خاصة أن هذه الأخيرة عرفت تناميا كبيرا في الفترة الأخيرة وامتدت إلى إقدام المصطافين على غلق أكثر من محور في وجه حركة المرور، كما شهدت الولاية قبيل موسم الاصطياف، عدة حركات احتجاجية في يوم واحد جعلتها شبة معزولة عن العالم الخارجي.
هذه الصور المسوقة عن الولاية، جعلت المصطاف يحسب ألف حساب، قبل التفكير الجدي في ولوجها خوفا من تحول أيام العطلة والمتعة إلى معاناة وعذاب تروي تفاصيله محاور الولاية.

غياب الجدية في التحضير

يجمع المتتبعون للشأن المحلي على أن فشل موسم الاصطياف بالولاية مرده إلى غياب الجدية التامة في التحضير له، من قبل كل الأطراف المعنية بهذا الحدث، والدليل حسبهم أن المجلس الشعبي الولائي لبجاية، لم يبرمج جلسة خاصة لمناقشة الاستعدادات الخاصة بموسم الاصطياف بالولاية، وتصحيح الأوضاع وتجاوز النقائص المسجلة خلال المواسم المنصرمة، إلا في الـ 27 من شهر جوان المنصرم، بعد أن دشن المصطافون جل شواطئ الولاية المحروسة منها وغير المحروسة، هذا ولقي تقرير مديرية البيئة حينها، انتقادا لاذعا من قبل نواب المجلس، الذين استهجنوا بدورهم غياب الجدية وروح المسؤولية، من قبل القائمين على هذا القطاع، الذي كان بإمكانه جعل الولاية قطبا سياحيا بامتياز، مؤكدين أن تقرير المديرية الوصية لا يعدو أن يكون صورة طبق الأصل للسابق، من دون أي جهد يذكر، ولم يعمل على نقل الواقع بصورته الحقيقية.
وفي سياق متصل، أكد والي بجاية بالنيابة “توفيق مزهود”، خلال زيارة له إلى عدد من البلديات الساحلية، قبيل موسم الاصطياف أنه لا شيء أنجز في الميدان من قبل هذه الأخيرة، لاستقبال المصطافين وضيوف الولاية، بالنظر إلى النقائص المتعددة المسجلة في الميدان، يأتي هذا بالرغم من كون البلديات الساحلية للولاية، المقدرة بـ 14 بلدية استفادت كل واحدة منها من غلاف مالي مقدر بـ 2.5 مليون دينار، للتحضير لموسم الاصطياف، غير أن زائرها يتوقف على وجهها الباهت والانتشار المريع للنفايات على مستوى الشواطئ والمدن.
وتتقاذف بهذا كل الأطراف مسؤولية هذا الإخفاق الشنيع الذي شهده موسم الاصطياف بالولاية.

فوضى كبيرة على مستوى الشواطئ

على الرغم من التصريحات المتعددة للمسؤولين، بمجانية الدخول إلى الشواطئ، إلا أن الميدان على مستوى ولاية بجاية، يشير إلى غير ذلك، فالزائر إلى شواطئ الولاية يتوقف عند الفوضى الكبيرة واللاقانون الذي يحكمها، حيث فرضت بعض العناصر منطقها وقانونها على الشواطئ، من خلال حجزها والتصرف بها على أنها ملكية خاصة، من خلال وضع الخيم والتجهيزات المختلفة بها، وإجبار المواطنين على استخدامها مقابل استنزاف جيوبهم، وهي الحال ذاتها المسجلة على مستوى الحظائر العشوائية والعمومية التي تحكم مافيا الباركينغ قبضتها عليها بإحكام مطلق، ولعل جريمة القتل التي راح ضحيتها الشاب “زبير عيسى” من ولاية الوادي، بعد رفضه دفع 200 دينار لحارس باركينغ غير شرعي- حسب تصريحات النائب العام لمحكمة خراطة- خير دليل على ذلك.
وعلى الرغم من كون مصالح الأمن، قامت بعدد من المداهمات على مستوى الشواطئ، وأزالت عددا من الخيم التي نصبت دون وجه حق، إلا أن ذلك لم يغير شيئا من الواقع، بعدما أضحت هذه الأخيرة تنمو كالفطريات يوما بعد يوم.

مدن ساحلية تتحول إلى مفارغ مفتوحة

الملفت للانتباه خلال موسم الاصطياف، لهذا العام على مستوى ولاية بجاية، هو التردي الكبير للوضع البيئي، على مستوى عاصمة الولاية التي تعد قلبها النابض ومرآتها العاكسة، وذلك جراء تعثر مشروع المؤسسة العمومية لجمع النفايات، وإقدام بعض الخواص الذين كانوا يتولون المهمة من قبل، على التوقف عن العمل لأسباب إدارية، فضلا عن توقف فرق الجزائر البيضاء عن العمل، حيث يشمئز المتجول في أحيائها وأزقتها من أكوام النفايات مترامية الأطراف، التي أضحت تشكل جزءا من ديكور المدينة، التي كان سكانها سابقا ينظفون أزقتها “بماء الورد”.
هذا الوضع ازداد تأزما بعد قرارات وزيرة البيئة، خلال زيارتها إلى الولاية في عز موسم الاصطياف، القاضية بغلق مركز الردم التقني، “بوادي غير” الذي كان المستقبل الرئيس لنفايات عاصمة الولاية وبعض البلديات المجاورة، وهو المركز الذي كان بمثابة البديل الرئيس لمفرغة بوليماط التي اتخذ من قبل قرار بغلقها هي الأخرى.
هذه القرارات المتخذة في عز موسم الاصطياف، جعلت السلطات المحلية في مأزق كبير، بشأن صب نفاياتها، الأمر الذي انعكس بصورة سلبية مباشرة على الوجه العام للمدينة.
والوضع لا يختلف كثيرا على مستوى باقي البلديات الساحلية، التي غزتها النفايات من كل حدب وصوب.

ارتفاع جنوني للأسعار

ينتهز التجار على مستوى ولاية بجاية، الفرصة مع حلول كل موسم اصطياف للربح السريع، على ظهر ضيوف الولاية وقاصديها، وحتى أبنائها، حيث تعرف أسعار المواد الغذائية بها ارتفاعا جنونيا، لا يمكن للعقل تصوره حيث يتجاوز سعر “السندويش” البسط- على سبيل المثال- عتبة 300 دج، أما أسعار كراء العتاد كالخيم والمظلات وحتى ركن المركبات وغيرها على مستوى الشواطئ فحدث ولا حرج، ما جعل العائلات متوسطة الدخل، غير قادرة على قضاء يوم واحد من العطلة في الاستجمام على شواطئ بجاية، ومن الصور التي يندى لها الجبين التي نقلت إلى “الشروق” من أحد المواطنين مصادفته عائلة دخلت مقهى لتناول القهوة، هذه الأخيرة وأمام عدم قدرتها على دفع تكاليف الحلويات والكرواسون “قامت بإحضار خبز معها في كيس لتتناولها به. في حين أضاف آخر أن محاولة رب عائلة في قضاء يوم مع الأبناء والزوجة أجهض أمام مافيا الباركينغ، التي طالبته بدفع مبالغها غير القانونية، ما دفعه إلى مغادرة الشاطئ والاكتفاء بنزهة بالسيارة التي تناولوا الغذاء بداخلها.
الوضع يصبح أكثر تعقيدا عندما يتعلق بكراء الشقق والغرف في الفنادق التي أضحت أسعارها تناطح السحاب، الأمر الذي يدفع المصطافين إلى قضاء لياليهم في مركباتهم تحت ضوء القمر، أو داخل الخيم التي نصبوها بالشواطئ.
هذه العوامل دفعت المصطافين، هذا العام، إلى تغيير وجهتهم نحو مدن ساحلية أخرى، على غرار الجارة جيجل، أو حتى خارج الوطن باتجاه تونس وتركيا على سبيل المثال.
كما عبر عدد من سكان المدن الساحلية، على غرار سكان بلدية “تيتشي” عن استيائهم الشديد من السهرات الليلية المنظمة على مستوى الساحات وغيرها، مؤكدين أن هذه الأخيرة تمس بكرامة وحرمة السكان القاطنين بها، بعدما أضحى من غير الممكن لهم الخروج ليلا حتى عند الضرورة القصوى بسبب الأخطار الكبيرة والمضايقات التي تطالهم، خاصة أن هذه الأماكن تتحول إلى “مناطق محرمة” عليهم، هذه الصورة لا تختلف كثيرا عما يسجل بالساحل الغربي، الذي تحولت به بعض الشواطئ إلى مناطق مشبوهة تستغل في المجون، وكانت محل احتجاجات من قبل السكان.
ما يؤكد مشكل نقص الأمن، على مستوى بعض الشواطئ، الذي رافع من أجله نواب المجلس الشعبي الولائي، خلال دورة المجلس الأخيرة، المقررة لمناقشة ملف موسم الاصطياف. يحدث هذا في مدينة كانت تعرف بأمنها الكبير، حتى في عز العشرية السوداء التي عرفتها الجزائر.
وعبر العديد من مواطني الولاية وحتى زائريها عن أسفهم الكبير من الوضع الذي آلت إليه مدينة الـ99 وليا صالحا، التي تملك من الرصيد التاريخي، الثقافي، الحضاري، الديني، الجمالي، ما يؤهلها لتكون القبلة السياحية الأولى بامتياز، آملين أن تستعيد هذه الأخيرة بريقها ومجدها العتيد.. كيف لا وهي التي قال فيها الشاعر:
دع العراق وبغداد وشامهما
فالناصرية ما إن مثلها بلد
بر وبحر وموج للعيون به
مسارح بان عنها الهم والنكد
حيث الهوى والهواء مجتمع
حيث الغنى والمنى والعيشة الرغد
والنهر كالصل والجنات مشرفة
والنهر والبحر كالمرآة وهو يد
فحيثما نظرت راقت وكل نواحي
الدار للفكر للأبصار تتقد
إن تنظر البر فالأزهار يانعة
أو تنظر البحر فالأمواج تطرد
يا طالبا وصفها إن كنت ذا نصف
قل: جنة الخلد فيها الأهل والولد

مقالات ذات صلة