-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بحثا عن الثقة والموثوقية

عمار يزلي
  • 563
  • 0
بحثا عن الثقة والموثوقية

الأزمة الأخيرة في أوكرانيا أثبتت للعالم بأسره، كم أن العالم مأسور في مأكله وطاقته وأمنه عندما يكون المنتج هو الموزع وهو المتحكم في النقد والنظام المالي: الأمن والجوع مرتبطان تاريخيا وبنص قرآني أيضا، بما يفي بأنها معادلة لا يمكن الإفلات منها إلا بنظام عادل لا مهيمن ولا غاشم.

دول الجنوب عموما هي الأكثر عرضة لخطر نقص التغذية و”الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات”، لكن الوضع الكارثي الذي تسببت فيه دول العقوبات أساسا، لا يستثنيها لا هي ولا باقي الدول الصناعية والمتطورة شرقا وغربا من تبعات وتداعيات هذه “الحرب الهجينة” على روسيا، التي يبدو أنها لم تكن أبدا تريد أن تصل إلى هذا الحد ولا هذا المستوى إلا بعد أن رأت أن النار قد تصلها وقد تلتهم أقدامها عاجلا أم آجلا إن لم تُقدم على استباق لدرء مخاوفها الكبرى، ولو بارتكاب مخاوف “صغرى”.

زيارة الدولة، التي قادت رئيس الجمهمورية إلى إيطاليا، وقبلها إلى تركيا وقبلها إلى بعض الدول العربية والخليجية، تؤكد أن مطلب الطاقة والتنمية المستدامة خاصة في مجال الغذاء والصناعات الغذائية والطاقوية، يمثل أولوية قصوى للجزائر التي تعمل على تنويع مصادر تنميتها لضمان شبكة تكاملية من المؤسسات الإنتاجية الصغيرة التي تدور في فلك مؤسسات كبرى وتمولها وتقوم بدور المناول المحلي الذي يسمح بإبقاء المصنوع الجزائري، مصنعا محليا، غير معتمد على الإستيراد بشكل كبير إلا فيما نحتاجه خلال مراحل التنمية.

التكامل الاقتصادي العربي والمغاربي والإفريقي، يمثل أيضا أولوية من أولويات الاستراتيجية الجزائرية في التنمية المستدامة المستقبلية، بما في ذلك الزراعة الصحراوية التي تعتمد على مصادر الماء وعلى الطاقات النظيفة، حيث تمثل هذه الأخيرة، التحدي الأكبر المستقبلي للخروج من التبعية الغذائية التي كانت منذ أمد قديم الشغل الشاغل للبلاد.

إيطاليا وتركيا والصين وبعض الدول الأخرى التي تتقارب فيها وجهات النظر الاستراتيجية والسياسية مع التوجه السياسي العام للجزائر، سيمكنها من تجاوز التحديات حتما، كون الشركاء هم شركاء تقليديون مُؤتمنون، ولعل هذا ما جعل الجزائر تعبر مرارا على أعلى مستوى، آخرها من إيطاليا لرئيس الجمهورية، بأن مصداقية وموثوقية الشريك الاقتصادي وتطابق وجهات النظر السياسية مسألة في غاية الأهمية بالنسبة للجزائر. إيطاليا، كما هو الشأن بالنسبة لتركيا والصين وروسيا، هم شركاء استراتيجيون، بمعنى أن تطابق وجهات النظر السياسية الشاملة، تؤهلهم لضمان استمرارية الشراكة لأمد بعيد مع الجزائر.

الجزائر، ونتحدث هنا عن “الجزائر الجديدة”، عادة ما تختار الشريك التاريخي، المجرب عبر طول مراحل التعاون، قبل اتخاذ قرار التعاون الاستراتيجي معه. وجهات النظر السياسية أمر في غاية الأهمية للاستقرار في التعامل والشراكة الاقتصادية، وقد لاحظنا آثار ذلك في العلاقات الفرنسية الجزائرية وأيضا في العلاقات الاسبانية الجزائرية، مما يجعلنا نركز في مشاريعنا التعاونية المستقبلية، خاصة في الإمداد الطاقوي للجهة المقابلة، مقابل مساهمتها في تنمية قدراتنا الاقتصادية الشاملة، على تطابق وجهات النظر وتقاربها وهذا لضمان استدامة التعاون والشراكة.

إيطاليا وتركيا والصين وروسيا وبعض الدول العربية الخليجية منها قطر والمملكة العربية السعودية والكويت ودول أخرى مثل مصر وتونس وموريتانيا، ودول إفريقية مجاورة، لا تقل أهمية عن الدول الأوروبية في المساهمة في الاستثمارات العربية في الجزائر والتعاون والتبادل بين بلداننا، والعمل الذي يؤسس له ضمن التحضير للجامعة العربية يدخل في هذا السياق: فالتوافق السياسي العربي، وخاصة حول مسألة القضية الفلسطينية وحل الخلافات البينية والجوارية، يصب في مصلحة العرب والأفارقة ككل وفي مصلحة دول الجنوب والمنطقة المتوسطة ككل، وهذا أهم مطلب جزائري وحجر الأساس في أي تنمية عربية وإقليمية مستدامة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!