الجزائر
ارتفاع عدد المطرودين من المدارس يلغم الشارع

بطالون في عمر الزهور والأولياء في ورطة!

زهيرة مجراب
  • 1202
  • 5
ح.م

تعد بداية العام الدراسي فرصة ينتظرها التلاميذ بشغف كبير ليقتربوا أكثر من أحلامهم ويحققوا نجاحاتهم، وهناك فئة أخرى من التلاميذ تنتهي مسيرتهم الدراسية بالفصل من المؤسسات التعليمية، نتيجة إخفاقهم في الحصول على معدلات تؤهلهم في النجاح وقد سبق لهم الرسوب من قبل، ليصبح الأمر بمثابة كارثة على العائلة التي تحاول جاهدة إعادة فلذة كبدها للمدرسة لكن من دون جدوى.

بدأ الأولياء على التردد على مديريات التربية ودموع الأمهات تسبقهن، مباشرة مع الدخول المدرسي بهدف بعث بارقة أمل كي يتمكن الأبناء من العودة لاستكمال المشوار الدراسي..

وفي هذا الإطار تحكي إحدى الأمهات عن ابنتها التي رسبت في السنة الأولى ثانوي، وأعادت السنة لكنها لم تنجح فتم طردها من الثانوية، خصوصا وأنه سبق لها الرسوب في السنة الرابعة متوسط أيضا، عن رغبتها الشديدة في إعادة تسجيلها فهي مازالت صغيرة في السن، وتود الدراسة واجتياز امتحان البكالوريا. فحتى وإن لم تستطع الحصول على الشهادة فسيكون بوسعها إيجاد تربص جيد في التكوين المهني.

نفس المشهد يتكرر عند مدخل الثانويات والمتوسطات، أولياء برفقة أبنائهم ينتظرون فرصة السماح لهم بمقابلة المدير ليتحدثوا معه حول فرص السماح لأبنائهم بإعادة السنة، بعدما استلموا كشوف نقاط كتب عليها بالبنط العريض يوجه للحياة المهنية. تحكي لنا إحدى السيدات، ترددت على الثانوية التي كان يدرس فيها ابنه أزيد من 4 مرات، لكن الحارس في كل مرة يخبرها بأن المدير يرفض استقبال الأولياء، عن ظروفها فهي مطلقة وقد أفنت حياتها في تربية الولد، غير أنه لا يستوعب ولا يفهم وقد سجلته في الدروس الخصوصية من دون جدوى، وقد تفاجأت بخبر طرده ما سيجعله مجرما إن لم تمنح هذه الفرصة لكن المدير لم يسمح لها بدخول الثانوية حتى ومقابلة الأساتذة أو الناظرة.

المدارس الخاصة خيار الأولياء لإنقاذ أبنائهم من الضياع

وأكد لنا عدد كبير من الأولياء الذين التقيناهم عن استنجادهم بالمدارس الخاصة لإعادة إدماج أبنائهم المفصولين، بالرغم من قلة إمكانياتهم المادية وانتماء السواد الأعظم منهم لفئة الأجراء، بل هناك من اضطر للاقتراض حتى لا يجد ابنه المراهق تائها في الشوارع، وقد يتحول لمدمن مخدرات أو لص فهو بذلك ينقذه من الانحراف على حد قول أحد الأولياء.

وإن كان الأولياء هم الأكثر علما وإدراكا لما سيؤول إليه مستقبل أبنائهم بعد طردهم من المؤسسات التعليمية، فبعض التلاميذ يجدونه عاديا في البداية ثم بمرور الوقت يصبح الندم رفيقا لهم، حيث يقول أحد المراهقين لنا سبق له الرسوب عدة مرات في الطور المتوسط ليفصل بعدها: في الأول كنت أتوقع طردي وكنت مستعدا نفسيا وكذا عائلتي خلال العطلة الصيفية لم أشعر بأي تغيير، لكن مع عودة أصدقائي للدراسة أصبحت وحيدا شعرت بالملل فكرت في مشروع مربح يتناسب مع مستوى الثانية متوسط، فلم أجد سوى بيع “الفلان” في السوق ولو يعود بي الزمن للوراء لن أغادر المتوسطة.

في حين، لم تخف إحدى السيدات خوفها على ابنها صاحب 16 ربيعا، والذي طرد من المتوسطة، لتنقلب بذلك حياته رأسا على عقب. فالطفل كان يحب الدراسة لكن أستاذة الفرنسية وأستاذة الرياضيات أقسمتا على أن لا ينجح، وبذلتا مجهودهما ليعيد السنة، ولسوء حظه درستاه في العام الثاني مع أنها سعت ليغير القسم لكن المدير رفض، وتكرر نفس السيناريو معه لقد حولتاه لعنيف يثور لأتفه سبب ويضرب ويكسر ويحطم كل شيء، والآن يقضي نهاره في النوم وليله في التسكع يرفض التكوين المهني، وكل همه هو العثور على المال للحرقة.

“لا يوجد تلاميذ فاشلون والمنظومة التربوية والاجتماعية كرست ذلك”

وفي هذا الصدد، ألقت الأخصائية النفسانية، سليمة موهوب، باللوم على نظام التعليم، فالإشكالية ليست في التلميذ المطرود بل في نظام التصحيح والمناهج التعليمية غير المدروسة بشكل سليم، فهناك مواد أعلى من مستوى التلميذ وهناك أقل من مستواه.

وبخصوص الحالة النفسية للمتمدرس بعد طرده من المؤسسة التعليمية، أكدت المختصة بأنها متباينة فإما يكون قد سئم الدراسة وكره معاملة الأساتذة والفشل والذهاب والإياب من دون جدوى، فحتى ولو تظاهر بالحزن أمام أوليائه، وبذلك يتغير تفكيره فيصبح همّه العثور على عمل أو الهجرة غير الشرعية “الحرقة”، فسيتأثر بالمحيطين به وكلامهم وتتبدل رؤيته وتفكيره.

واعتبرت المختصة المنظومة الاجتماعية والتربوية تكرس آثار الفشل، فبدل عدم استعمال الكلمة وغرس ثقافة التفاوت في المستويات التعليمية، وبأننا درجات هي تعمل على زرع الطبقية والتفاوت من خلال جعل المهندس والطبيب صورة للنجاح، مع أن هناك مهن أخرى مهمة جدا لا يقوم المجتمع إلا بها.

وهناك فئة ثانية تتذمر تماما فتظل فكرة طردهم مسيطرة عليهم، ويفكرون طوال الوقت في سبب عدم مساعدة مدرسيهم لهم ومنحهم فرصة إعادة السنة، لذا يصبحون عدوانيين تجاه المجتمع بطرق مختلفة، فهو بنظره بخسه حقه فيحاول بشتى السبل إفراغ شحنة العدوانية، خصوصا إذا كان معدله 9 فهو قريب جدا من النجاح. فالاختبارات تقول الأستاذة موهوب ليست موضوعية ولا تعكس كفاءة التلميذ.

فهؤلاء التلاميذ سيتولد لديهم شعور بالنقمة على المجتمع بأكمله، وسيرفضون تلقي التكوين المهني في البداية، بل سيصعب إعادة إدماجهم في هذه المراكز.

مقالات ذات صلة