بلاد ميكي أو الشعب المصدوم
نكاد نجزم أننا أينما نُولّي وجوهنا فثمة وجه داكن السواد، يُرينا ما يريد وحده أن نرى، حتى كدنا نقنط من أن نرى ولو في المنام، ما وعدونا به على مدار نصف قرن من الأوهام..
-
ثلاثة مواضيع تناولتها الشروق اليومي خلال الأسبوع الماضي، كل واحد منها يُشوّش صورة الحلم، فما بالك بالحقيقة المعاشة، فتقارير المنظمة العالمية للنفط التي تنتمي إليها الجزائر منذ أن أمّمت “مصدر نجاتها”، من أن تكون صومال شمال القارة وليس ساحلها، أكد أن فترة الوزير شكيب خليل تميزت باستنزاف لم يحدث له مثيل في التاريخ، وحتى في احتلال الأمريكان للعراق للثورة النفطية، على طريقة الصرصور الذي يرقص كلما منحته الشمس بعضا من ضيائها، ويتسوّل أمام مساكن النمل بقية الفصول.
-
فرغم أن النفط بالنسبة للجزائري هو قضية حياة أو موت، فبنعمة ارتفاع أسعاره فقط أنجز رؤساء ووزراء الجزائر مشاريعهم التنموية، وبنقمة انخفاض أسعاره مرّت على الجزائر عواصف الفتنة والتيهان، فارتبطنا به كما ارتبط الحوت بالماء، ورفضنا أن نكون على الأقل برمائيين، أما الصدمة الثانية، فجاءتنا من الطريق السيّار الذي سميناه على غير مسمى “مشروع القرن”، فكان على مدار سنوات إنجازه يلتهم ملايير الدولارات، حتى أصبح تابعا لوزارة المحروقات بدل وزارة الأشغال العمومية، لنكتشف أن الطريق لن يكون سيّارا قبل ثلاث سنوات على الأقل، وكان من المفروض أن يكون في الخدمة منذ سنتين على الأقل، واكتشفنا أن المؤسسة اليابانية المُشرفة عليه بصدد تعلّم “الحلاقة في رأس صلعاء”، فهي غير مصنفة ضمن أحسن مئتي شركة طرق في العالم، وحتى لو أكملت إنجاز الطريق، فإنها ستكون قد ابتلعت ميزانية أمة، وشيّبت الولدان، بعد أن أمات مشروع الميترو الولدان والأجنّة، ونخشى أن يكون مصير جامع العاصمة الكبير غير مختلف عن الطريق السيّار، وهو المسجد الذي من المفروض أن يُؤسّس على التقوى.
-
الصدمة العنيفة الثالثة التي أفقدتنا شهية الحياة، جاءتنا من وزارة التعليم العالي، التي تلقت طبقا “مسموما” من شقيقتها التربوية، بعد أن بلغ عدد الناجحين بعلامات “الجيد ومشتقاته” رقما لم تسجله الولايات المتحدة ودول أوروبا في تاريخها، ليصطدم “الجيّدون” بكونهم لن يتمكنوا من تحقيق أمنياتهم الدراسية، في دخول كليات ورثناها منذ العهد الاستعماري، ومازالت وحدها من تشغل بعض الشباب دون غيرها من الاختصاصات العصرية، الموجودة نظريا في كراريس الجامعة، ولا يعرف عنها اقتصادنا حتى اسمها لتتحول، حياة “جيّدي” البكالوريا إلى جحيم، وهم يجدون أنفسهم في شُعب لم يكونوا يعلمون بوجودها.
-
عندما يُصدم أبناؤنا بكون “حصّالة النقود” التي ظنوا أنها مملوءة بالنفط قد استنزفت، فإن إرادتهم ستُستزف، وعندما يُصدم أبناؤها بكون وسيلة الحركة مازالت مشلولة، فإن إرادتهم ستشل، وعندما يُصدم أبناؤنا بكون كلمة جيد في أهم امتحان في الجزائر، تعني عقابهم بشُعب لا أحد يسمع عنها، فإنهم سيجتهدون لئلا يكونوا جيدين مستقبلا، في معادلة تجيبنا عن سؤال طرحناه منذ بداية مهرجانات الصيف الحالي، وهو لماذا يطالب جمهور دوبل كانو منه وبإلحاح أداء أغنية “بلاد ميكي”!!؟
-
قديما قال جمال الدين الأفغاني: ”الأزمة تلد الهمّة”.. لكن مشكلتنا أنها ليست أزمة واحدة.. بل أزمات!!؟