-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بلاد بحجم معِدة

بلاد بحجم معِدة

كل مؤشرات التنمية في سقوط حر، وغالبيتها منذ أن بلغت الحضيض فقدت القدرة حتى على مزيد من السقوط، الإنتاج الفلاحي في هبوط والإنتاج الصناعي في هبوط وقيمة الدينار في هبوط والمعنويات في هبوط، إلا فواتير الأكل التي نشتري عبرها ما يُنتج غيرنا لنملأ به معدتنا في ارتفاع صاروخي، لا يبدو له أفق. وعندما نعلم أن الجزائريين تذوّقوا ومضغوا وبلعوا خلال خمسة أشهر الأولى من عام 2013، قرابة أربعة وعشرين مليار دولار من الغذاء المستورد، وهو رقم قياسي لم يسبق وأن بلغته الجزائر في تاريخها، فمعنى ذلك أننا تحوّلنا إلى معِدة عملاقة، ساهمنا في إنقاذ إقتصادات دول من الانهيار، وفي رفع أسعار القمح والسكّر والقهوة والزيوت والحليب في الأسواق العالمية، بجعل العرض العالمي دون الطلب الجزائري.

والذين يُصبّرون أنفسهم بالقول، بأن نفاذ المحروقات في الجزائر، سيدفع الشعب للاعتماد على نفسه، والبحث عن مصادر دخل أخرى تكفل له تفادي هذه الفواتير الغذائية التي صارت تجلب العار للجزائر، إنما يُخدّرون أنفسهم، لأن الكسل مرض مزمن إذا تمكن من الإنسان وشلّه خمسين عاما أماته إكلينيكيا، وجعل الحديث عن الأمل خبلا، والحديث عن الخبل الذي بلغناه قمّة العقل، والجزائريون ليسوا في حاجة للإحصاءات التي قدمها المركز الوطني للإعلام الآلي والاحصاءات، أو أرقام (الفاو) ليعرفوا صورتهم الاستهلاكية، لأن الحقيقة تسير في الشوارع وفي الأسواق وفي اجتماعات رؤساء البلديات والولاة والحكومة، حيث يعيش الجميع لأجل الاستهلاك الغذائي، خاصة مع اقتراب شهر الصيام الذي يعني لغويا الامتناع عن الأكل والشرب، وأن تبقى حكايات اللحوم المجمّدة والدجاج المستورد تتصدر عناوين الصحف، وأن يبقى الوزير الأول وحكومته مهمومين بالتعرف على مزيد من الأسواق العالمية ليمنحوها كيس المال لأجل شراء الطعام، فمعنى ذلك أننا لم نضرب الصيام في الصميم فقط، وإنما طعنا فن الأكل المبني على الزرع ثم الحصد ثم الطحن ثم الطبخ قبل الأكل، أو الجلوس أمام المائدة بعد وقوف طويل في العمل في المصنع أو في الحقل أو في الإدارة، وليس الأكل بعد الأكل، أو الجلوس بعد فترة جلوس طويلة.

من المعروف في المدارس التعليمية، أن الذي يحصل على الأرقام المتدنية هو المُنذر أو المُوبّخ أو المطرود من المؤسسة التعليمية، لكن في حالة الجزائر اقتصاديا، فإن أرقامها الاستهلاكية في صعود لصالح الآخرين دون أن نُنذر أنفسنا أو نوبّخها، فقد بلغت فاتورة الغذاء في الخمسة أشهر الأولى من عام 2012، رقم عشرين مليار دولار، ووُصفت حينها بالمخيّبة، واعتبرها الوزير الأول السابق أحمد أويحيى، بالكارثة التي لا يجب أن تتكرر، وأغرقت الصحافة بحارا من دموع الحبر، ومع ذلك واصل صاروخ الاستهلاك الغذائي صعوده، وعندما تُصبح مشكلة الصيام هي الأكل بالنسبة للدولة وللشعب، فإن أرقام العار مرشّحة للصمود عقودا أخرى.

ومن المعروف أيضا في المدارس التعليمية أن الذي يحصل على الأرقام المتدنية، يُنذر أو يُوبّخ أو يُطرد من معلميه، لكن في حالة الجزائر الإنذار والتوبيخ موجّه للشعب التلميذ وللدولة التي من المفروض أن تكون المعلّم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • نورالدين الجزائري

    إن جوهر مشكلات البلاد معقدة جدا و لا تحل بمجرد حركة قلم منذ إستقلال الجزائر و هي في دوامة صراع سلطوي دامي تفكر بالمنطقة الرمادية أدت بنا إلى هذا النفق المظلم و فاقد الشيء لا يعطيه
    1 المنهج التربوي الكارثي منذ أزيد من 3 عقود أفرز لنا جيلا من الطلبة زاد فيه الغش و المشدات بالسكاكين في الأحياء و ضرب المعلم ...
    2الأزمة الإقتصادية أدت إلى أزمة نفسية حادة في المجتمع ردة فعل أن يكون عنيفا ضد سياسة لا عدل
    3 تنحية وزارة التخطيط و العمران التي تجمع حكماء و عقلاء البلاد بتجربتهم و نصحهم و تصحيح الأخط