الشروق العربي
يتهمن باستعماله كغطاء لنزواتهن

بنات يرفضن ارتداء الجلباب خوفا من القيل والقال

فاروق كداش
  • 6259
  • 21
ح.م

قضية الجلباب، أو النقاب، وعلاقته بلباس الستر في الجزائر، جدل لن ينتهي، ولو بلغنا مناط الثريا، إلى درجة يبدو معها أحيانا قرار ارتدائه صعبا للغاية، ولا يكون من تلقاء النفس والقناعة التامة.. هذا السجال الإيديولوجي، يعصف بالكثير من الفتيات الملتزمات، ويضع من قررن التجلبب أو التنقب تحت رحمة الأقاويل.

لا تخلو عيون المجتمع من نظرات اللوم، على هؤلاء البنات، ويبدأ القيل والقال والإشاعات المغرضة، حول من أرادت أن تستعف في لباسها، وبخاصة من بنات العائلة والصديقات وأشباه الصديقات، فهناك من تكاد تجزم بأن والدها هو من أجبرها على ارتدائه، لشكه في سلوكها، وهناك من تحلف باليمين أنها تخفي فضيحة ما، وأن قرار النقاب أو الجلباب جاء لحجب الحقيقة التي لا يعرفها ولن يعرفها أحد… أما حطب جهنم من النمامات، فتروّج للإشاعات دون أدنى ندم، من أن لباسها ليس إلا غطاء لأعمال انحرافية.

جلبابية ولكن

للنقاب أو الجلباب قدسية خاصة عند الجزائريين، ويولون احتراما خاصا للمرأة المتجلببة، وتراهم يهرعون إلى ترك أماكنهم لها في الميترو أو الحافلة أو القطار، خلافا للفتاة المتبرجة.. وهذا واقع نلحظه يوميا، إلا أن هذا اللباس العفيف يتعرض في العديد من القضايا للتدنيس من طرف نساء وبنات لا صلة لهن بالدين والالتزام، ويستعملنه كذريعة للخروج والتسكع، أو الإقدام أحيانا على جرائم عدة.. ومن هذه الحكايات المخيفة، حكاية منقبة استغلت طيبة قلب والدها، واحترامه للمنقبات وإيمانه بأخلاقهن، فأوهمته بأن صديقة لها على خلاف مع زوجها، وستقيم بضعة أسابيع في غرفة الضيوف.. فقبل الأب، وكانت هذه الصديقة مجرد عشيق ابنته، استغل غياب الوالد في عمله ليرتكب الفاحشة تحت سقفه.

وتبقى قصة الطفلة باية، التي اختطفتها منقبة لمدة 16 يوما، لطلب الفدية، لا تزال عالقة في الأذهان.. وقصة شابة منقبة، اقتحمت مستشفى في سطيف لارتكاب جريمة، فاعترضها عون أمن فطعنته، لم تمح من أذهان السطايفية.

 ولسوء الحظ، يستخدم النقاب أو الجلباب في ارتكاب الجنح، مثل السطو والسرقة، وأحيانا ترتديه بعض البنات بسبب سوء وضعهن الاقتصادي، فهن لا يملكن مالا لشراء حجابات مختلفة، وبما أن الجلباب تقريبا واحد، فلا أحد سيلحظهن.

نقاب فوق مستوى الشبهات

استطلاع رأي الفتيات، اللواتي ينوين ارتداء النقاب أو الجلباب، ليس بالأمر الهين، ولمعرفة ذلك، طرحت هذا السؤال على صفحة إحدى الزميلات في الفايسبوك، فجاءتها بعض المداخلات بأسماء مستعارة، منها جنة الفردوس، التي أكدت أنها ارتدت النقاب بعد جدال كبير مع عائلتها التي رفضت قرارها، خوفا عليها من نظرة العائلة، التي تقول إنها مليئة بالنفاق، “بينما كانت قريباتي يهنئنني على قراري، كن يسألن أمي عن سبب ارتدائي النقاب؟ وهل هناك مشكلة؟”. وتضيف نور الحق، التي تضع صورة منقبة خليجية في بروفايلها: “قررت أكثر من مرة ارتداء النقاب، لكنني عدلت عن قراري، بسبب رفض والدي وإصرار أمي، المهم أنني ملتزمة في ديني”. أما العائدة إلى الله، فكتبت: “النقاب سترة، وليس جريمة، ومن تدنسه لا تمثل إلا نفسها، أنا لا أرتدي النقاب، لكنني أتفهم من ترتديه قناعة لا تأثرا”… العديد من المحجبات لم يحسمن أمر النقاب أو الجلباب، رغم قناعتهن به، بسبب تخيل نظرة الناس إليهن بعد ذلك، وخشية ابتعاد الصديقات عنهن أو القريبات.. وهذا ما جربته إحدى البنات بعد تنقبها، “دخلت مصلى النساء في إحدى الجمعات، ولما فرغت من الصلاة شدني منظر فتاة ترتدي الجلباب، يشع من وجهها نور وهاج، وكانت في غاية الجمال، وقبل انصرافها وضعت برقعا على وجهها، شعرت بالغبطة وقررت أن أرتدي النقاب، تأسيا بهذه الفتاة الشابة… كانت صدمة قريباتي وصديقاتي كبيرة، لكنهن تملقن إلي، ولم يمض شهر حتى مضت كل منهن في حال سبيلها وانفضضن من حولي في لمح البصر”.

دليل أخلاق أم سوء نية

 هنا، تبادر إلي سؤال بدا لي بديهيا: هل لبس الجلباب أو النقاب دليل على أخلاق المرأة؟ وهنا طرحت السؤال على الشباب الذين اختلفت آراؤهم حسب تنوع مشاربهم وثقافاتهم، عماد يقول: “النقاب لباس يليق بالمرأة، ولكن لا علاقة له بالأخلاق”. ويدعمه سليم: “لبس النقاب طاعة وتقربا إلى الرحمن، فقد تكون المنقبة طائعة وخلوقة، ويمكن العكس”. أما رياض، فيتحسر: “للأسف، بعض المنقبات المزعومات أفسدن النية، واختلط الحابل بالنابل، ولا ندري من الخلوقة ومن المنحرفة”… كريم، بدا متحفظا في رده: “النقاب ليس له أي دخل في تربية وأخلاق الفتيات، لكنني شخصيا لا أريد الارتباط بفتاة منقبة أو متجلببة، فالوساوس قد تنتابني حول سبب ارتدائها النقاب، ولست أضع كل الفتيات في جعبة واحدة”.

في الأخير، مسألة الجلباب أو النقاب قرار لا تتخذه سوى من كانت مقتنعة تماما بأنه لباس عفة وستر، وليس إكسسوار موضة، أو ذريعة لكسب راحة البال.. فهو قبل كل شيء أخلاق، قبل أن يكون قطعة قماش.

مقالات ذات صلة