-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بن بلة والأمن الغذائي

عدة فلاحي
  • 2759
  • 0
بن بلة والأمن الغذائي

كانت الحلقة الأولى من سلسلة استكشاف حال الجزائر من خلال قراءة مذكرات أول رئيس للجمهورية الجزائرية المرحوم أحمد بن بلة، حول الزيارة السرية التي أداها لباريس ولقائه بالجنرال ديغول لمدة ثلاث ساعات قيل بأنها كانت مفيدة وصالحة للطرفين أو للبلدين، ولكن للأسف ودون تجريح أو تخوين للشخصيات الثورية، فإن الواقع يكذب ذلك وعلى جميع المستويات، ولمن استنكر تطرقي لهذه المسألة ممن لا فقه لهم بالسياسة، هو أن الشخصيات العامة كما هو متعارف عليه قابلة للنقد وللتأويل مهما كان موقعها سواء أكانت حية أو ميتة، شأنها في ذلك شأن المفكرين والشعراء والكتاب في مختلف تخصصاتهم ومجالاتهم بما فيها رجال وعلماء الدين الذين يريدون احتكار قراءة النص الديني مثلهم مثل رجال السياسة الذين يريدون احتكار السلطة، نقوم بهذا الواجب وإلا توقفت حركة الكتابة والرأي.

وعودة لمذكرات المرحوم الرئيس أحمد بن بلة الذي تحدث طويلا حول التركة الثقيلة التي ورثها هو وجماعته من الثوريين والمناضلين بعد استرجاع الجزائر لسيادتها، وكيف أن الشغل الشاغل للسلطة آنذاك هو كيف يمسحون الحزن من وجوه الفقراء والمحتاجين وبالخصوص الأطفال منهم الذين دفع بهم العوز والحاجة إلى امتهان أحقر المهن، وهي مسح الأحذية، وكان سكان الريف هم أكثر ضررا، الأمر الذي دفع بهم إلى الهجرة إلى المدينة طلبا للعمل، ونتيجة ذلك تضاعفت نسبة البطالة على مستوى المدن الكبرى وفي مقدمتها الجزائر العاصمة.

 وفي ظل هذه الأجواء الممزوجة بالفرح والقلق في سبيل كسب لقمة العيش والحياة الكريمة، عمد بن بلة إلى ضرورة العناية بالفلاحة وباسترجاع الأراضي من المعمّرين وانتهاج سياسة التسيير الذاتي، ولكن بن بلة كانت له الشجاعة للاعتراف بأن هذه السياسة انتهت بالفشل لأن أهل الريف، رغم الدعم الذي قُدم لهم، إلا أنهم لم يحسنوا استخدام الإمكانيات التي وضعت بين أيديهم وكأنهم كانوا يريدون من المسؤولين أن يأتوا من الحواضر لخدمة الأرض بدلا عنهم.

 والسؤال في هذه الحالة أو أمام هذه الظاهرة السلبية التي شخّصها لنا أول رئيس للجمهورية الجزائرية المستقلة هو: هل تخلفنا في مجال ثقافة العمل والتنمية وبالخصوص الفلاحية منها مترسّخ فينا منذ القِدم؟ وما هي أسباب وخلفيات ذلك؟ حيث أنه ورغم مرور حوالي 60 سنة من الاستقلال لازال هذا المشكل قائما رغم الأموال الطائلة التي خصصتها الدول في مجال الدعم الفلاحي، بل والذهاب في عدة مرات إلى إلغاء الديون التي ترتبت على الفلاحين لسبب أو لآخر، وهذه السياسة بالتأكيد كانت لصالح وفائدة زمرة من المنتفعين والسماسرة ومافيا الفلاحة إذا جاز لنا التعبير عن ذلك.

 مافيا السوق الفلاحية ليست جديدة علينا بدليل أن المرحوم بن بلة المغلوب على أمره، يقول بالحرف الواحد في مذكراته متحسرا: “وفي شهر فبراير 1963، في شهر الصيام، ارتفعت أسعار الفواكه واللحوم ارتفاعا فاحشا، وقمت بتحقيق فتبيّن لي بأن هذا الغلاء الفاحش الرهيب كان من تدبير أشخاص يملكون في الاقتصاد الرأسمالي سلطة تعلو سلطة رئيس الجمهورية، وبمكرهم يستطيعون تقدير الفشل لأكثر الأجهزة الحكومية فعالية: أقصد تجار الجملة بالسوق المركزية” ص171/172. وهكذا ومثله كما يوضح الرئيس بن بلة، كانت تصرفات تجار الجملة في الخضروات لدرجة أن الرئيس نفسه يقول إن كان يتدخل شخصيا للتحقيق في ظاهرة الجشع التي لم تكن وليدة اليوم كما كنا نعتقد، فشهر رمضان المعظم شهر الرحمة والمغفرة، كان بالأمس كما اليوم، فرصة لاستغلال الإنسان للإنسان ولملء الجيوب ونحن الذين كنا نعتقد كما نقلته لنا أمهاتنا وأجدادنا بأن الشعب الجزائري كان متضامنا ورحيما مع بعضه البعض وكأنه أسرة واحدة، فهل هي روايات كاذبة؟ أم أنها روايات ساذجة؟ أم أنها روايات صادقة ولكن في بعض المناطق دون بعضها الآخر؟

 

أمام هذا الفعل الإجرامي، ألا تتحمل الدولة المسؤولية وبالخصوص حينما تعاقب المستضعفين وتترك يد الأقوياء تعبث بمصيرنا؟ وما حصل في سهل متيجة وغابات بوشاوي وباينام بالعاصمة ليس ببعيد عن أعين الحكومة، فمتى يطبق القانون بكل صرامة وتسترجع هذه الأراضي للصالح العام وتسترد كذلك حتى الأراضي الفلاحية التي لم تستغلّ وتُستثمر ممن اؤتمن عليها؟

 ولكن مهما كانت الإجابة، يجب التأكيد أننا فشلنا في تحقيق الأمن الغذائي الذي لا يتحقق إلا بقدر حبنا للأرض وخدمتنا لها بكل إخلاص وتفان، إنه الوقت المناسب للقيام بهذا الواجب في ظل تراجع أسعار البترول وشحّ المداخيل بالعملة الصعبة، فهل هذه الصدمة كفيلة بحمل راية “الجهاد الفلاحي” ولكن كذلك باسترجاع الأراضي الفلاحية التي استولى عليها بعض أصحاب النفوذ من داخل السلطة وخارجها؟

    السؤال الذي يتبادر إلى الذهن فيما يخص إسناد المسؤولية لتسيير الشأن العام، هو: هل كان المجاهد المرحوم محساس، مع احترامنا له حيا وميتا، صالحا لإدارة قطاع الفلاحة في عهد بن بلة؟ وهذه مسألة مطروحة على جميع مناصب المسؤولية منذ الاستقلال إلى اليوم، الأمر الذي جعلنا نغرق ونتعثر ونفشل كذلك في صراعنا مع معركة تحقيق الحوكمة الرشيدة والتنمية المستدامة، فلعدة عقود وإلى اليوم لازالت تتعرض الأراضي الفلاحية لزحف الاسمنت دون رحمة بـ”أمنا الأرض” التي شُيدت عليها سكنات ومصانع استفاد منها رجال المال وأصحاب النفوذ التي لا يهمها مستقبل الأجيال بقدر ما يهمها المنافع الخاصة والمستعجلة، وأمام هذا الفعل الإجرامي، ألا تتحمل الدولة المسؤولية وبالخصوص حينما تعاقب المستضعفين وتترك يد الأقوياء تعبث بمصيرنا؟ وما حصل في سهل متيجة وغابات بوشاوي وباينام بالعاصمة ليس ببعيد عن أعين الحكومة، فمتى يطبق القانون بكل صرامة وتسترجع هذه الأراضي للصالح العام وتسترد كذلك حتى الأراضي الفلاحية التي لم تستغلّ وتُستثمر ممن اؤتمن عليها؟ وهذه السلبيات كلها كما قال المجاهد الرائد بورقعة صاحب “اغتيال ثورة”، تعتبر خيانة لدماء الشهداء ولحلم الجزائريين، وهو محق في ذلك لأن فكرة مقاومة المستعمِر الفرنسي لم تكن فقط لتحرير الجزائر عسكرياً واسترجاع الأرض التي سلبها قرناً وثلث قرن من الزمن، وإنما الثورة كانت كذلك من أجل بناء الإنسان وخدمة هذه الأرض التي منها خُلقنا وعليها نحيا وعليها نموت ومنها نبعث للقاء الله، فهل صُنا الأمانة؟ لا أعتقد ذلك، والراحل بومدين الذي درس في الأزهر الشريف يتخذ القرار الخطير مباشرة بعد الانقلاب على بن بلة في سنة 1965 بالترخيص لأرامل الشهداء وقدماء المجاهدين ممن لا يملكون أي مصدر رزق، بالحق الحصري لامتلاك محلات بيع الخمور  ! علما بأن نصيحة فيدال كاسترو لبن بلة كما ورد ذلك في مذكراته: هو الإبقاء على زراعة الكروم بالجزائر لأنها تصَنع خمورا عالية الجودة!  

 

* باحث في الإسلاميات               

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • لكحل

    بن بلة كبيير عليك يا عدة...كبير عليك بزاف وكثر خير جاب الله اللي دارك راجل

  • مختار

    فعلا سئمت من مقولة : "الأموال الطائلة التي خصصتها الدول في مجال الدعم الفلاحي"، ماخصص للدعم ياناس لا يزيد عن 2 مليار دولار طيلة الحكم البوتفليقي لكن النظام يريد مسح الموس في الفلاحين لكي يلهي الشعب عن بقية ال 800 مليار دولار التي تبخرت ولا يدري احد اين ذهبت.

  • يوسف الشاوي

    ما الذي حصل يا عدة? لم اجد في مقالك كلمة "سلفية" و "وهابية" ان شاء الله تكون بخير? الم تجد طريقة كي تدخلهم في الموضوع?

  • zizou

    شكرا أستاذنا عن هذا الطرح الوجيه هو بمثابة دواء للجراح التى يعانى منها الشعب الجزائرى حيث أن الجشع غلغل فى النفوس الأمارة بالسوء منذ زمن بعيد ونحن نتهم الحكومات لهذا أضم صوتى إلى صوت رقم واحد أى على حكامنا أن يعتمد العصى لمن عصى وتضرب الأقوياء بيد من حديد وخاصة لأولائك مصاصين دماء الجزائريين بالغلاء الفاحش يجب علي الحكومة أن تنظم سوق بالجملة موازية لسوق مصاصين الدماءوهكذا تكسر لهم شوكتهم .إنشاء الله هذا الإجراء تقوم به الحكومة وفى أقرب وقت ممكن وإن طلبت المساعدة فنحن مستعدون.

  • بدون اسم

    شكرا أستاذ هناك نقطة مهمة و هي هجرة الملايين من الريف إلى المدن فرارا من آلة الإرهاب و القليل منهم رجع بعد استتباب الأمن فالإرهاب أرجعنا قرون إلى الخلف

  • بدون اسم

    تتمه/عندنا المشكله تفاقمت عندما اتفق بعض من بيده القرار مع التجار على المواطن و هكذا ضاع المواطن.نحن بحاجه لحكومه وطنيه تحب شعبها يعرف افرادها انهم جزء من هذا الشعب لا فوقه . أملهم العيش في هذه البلد و الموت فيها لا مع كل مناسبه يطيرون الى اقاماتهم الثانيه في باريس و اسبانيا!ولا تنتفخ حساباتهم بالدوفيز في تلك البلدان يوما بعد يوم.للاسف نحن بحاجه الى دكتاتور لا يرحم من وزن الهواري و صدام رحمهما الله ولو ان صدام يناسبنا أكثر لانه مستعد لاعدام الف دون ان يتحرك له جفنولا تعرف الرحمه طريقها الى قلبه

  • بدون اسم

    لا بن بله ولا من جاء بعده عرف كيف يدمر مافيا السوق ..
    عندما كانت الجزائر في بحبوحه كان يمكنها فعل ذلك و الحل الوحيد ان تقوم الدوله بأنشاء شركه موازيه لتوزيع الفواكه و الخضر تشتري فيها من الفلاح بسعر معقول و تبيع لتجار المفرد بسعر معقول و تسترط عليهم تسعيره . و ان نقص منتوج تستورده هي دون غيرها و تنزله للسوق هكذا يعرف تاجر الجمله ان هناك من يستطيع ان ينافسه فيلزم حددوده. هناك ايضا الحل الصدامي الذي استخدمه صدام اثناء حصار العشر سنوات فكان يعدم فورا المتلاعب بالاسعار و بعد اعدامه عشرات استقر السوق