-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بن بلة والمرجعية الدينية

عدة فلاحي
  • 6226
  • 7
بن بلة والمرجعية الدينية

يجب التنبيه إلى أن سلسلة المقالات التي أكتبها عن الراحل أحمد بن بلة، هي قراءة لمذكراته التي أملاها بنفسه على أحد الصحفيين وهو في بداية عهده لتسلم السلطة بالجزائر وقبل الانقلاب عليه سنة 1965، بمعنى ما أكتبه ليس تقييما لمسيرة الرجل من البداية إلى حين لقي ربه، لأنني أجهل إذا ما ترك لنا أول رئيس للجمهورية الجزائرية مذكرات آخر العمر، كما فعل الرئيس الشاذلي رحمه الله مع الكاتب الأديب عبد العزيز بوباكير شفاه الله، وإن كانت الحلقات التي أجراها الإعلامي أحمد منصور مع بن بلة في قناة الجزيرة بعنوان “شاهد على العصر” تعدّ كذلك وثيقة تاريخية مهمة تقترب من المبادرة التي قام بها سنة 1964 حينما قام بإملاء سيرته الذاتية مسجلة للصحفي الفرنسي روبير ميرل، الذي قام بتفريغها بكل أمانة كما قال ومن أن الأسلوب الأدبي الذي استخدمه وشكل الصياغة هي من صنعه مع الوفاء لروح الحوار والمحاور. وهذه مسألة كثيرا ما تثار حينما تخرج مذكرات لشخصيات هامة ومهمة في حجم رئيس دولة وبالخصوص إذا غادر صاحبها الحياة الدنيا قبل أن ترى طريقها إلى الطبع والتوزيع كما هو الشأن بالنسبة إلى الجزء الثاني لمذكرات الرئيس الشاذلي بن جديد التي أثير من حولها كثير من الجدل والتأويل. ولهذا يمكن القول بأن التسجيلات واللقاءات المرئية أضحت الوسيلة المثلى والمتطورة التي تعفينا من تعدد القراءات والتكهنات والتكذيب والتكذيب المضاد حينما تشتعل نيران المعارك السياسية التي توظف فيها حتى الوقائع التاريخية التي كثيرا ما يتم تحريفها حتى تتحول إلى أداة أو وسيلة لربح المعركة. وهكذا كانت محطات كثيرة من تاريخنا الوطني وحتى القومي والإسلامي الذي تعرض للتوظيف السياسي على حساب الحقيقة التاريخية.

 يقول أغلب المؤرخين الجزائريين إنّ التصادم الذي وقع بين أحمد بن بلة والشيخ البشير الإبراهيمي سببه البيان الذي أصدره الإبراهيمي في 16 أبريل سنة 1964، فزج بن بلة به تحت الإقامة الجبرية وأوقف عنه راتبه الشهري إلى أن توفي رحمه الله شهرا قبل أن يتم الانقلاب على بن بلة شهر جوان سنة 1965، هل هي دعوة الشيخ المظلوم؟ ربما.. 

وهذا نصّ البيان ننقله لفائدته ولما يحمله من تشخيص للانحراف الذي وقعت فيه القيادة الثورية إيديولوجيا ومن حيث طريقة التسيير المنفر للدولة الذي أدى إلى الصدام وسفك الدماء بسبب غياب العدالة والحرية وحب السلطة: 

“باسم الله الرحمان الرحيم: كتب الله لي أن أعيش حتى استقلال الجزائر ويومئذ كنت أستطيع أن أواجه المنيّة مرتاح الضمير، إذ تراءى لي أني سلمت مشعل الجهاد في سبيل الدفاع عن الإسلام الحق والنهوض باللغة- ذلك الجهاد الذي كنت أعيش من أجله– إلى الذين أخذوا زمام الحكم في الوطن ولذلك قررت أن ألتزم الصمت. غير أني أشعر أمام خطورة الساعة وفي هذا اليوم الذي يصادف الذكرى الرابعة والعشرين لوفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس– رحمه الله– أنّه يجب عليّ أن أقطع الصمت، إن وطننا يتدحرج نحو حرب أهلية طاحنة ويتخبط في أزمة روحية لا نظير لها ويواجه مشاكل اقتصادية عسيرة الحل، ولكنّ المسؤولين فيما يبدو لا يدركون أن شعبنا يطمح قبل كل شيء إلى الوحدة والسلام والرفاهية وأن الأسس النظرية التي يقيمون عليها أعمالهم يجب أن تبعث من صميم جذورنا العربية والإسلامية لا من مذاهب أجنبيّة. لقد آن للمسؤولين أن يضربوا المثل في النزاهة وألاّ يقيموا وزنا إلاّ للتضحية والكفاءة وأن تكون المصلحة العامة هي أساس الاعتبار عندهم. وقد آن أن يرجع إلى كلمة الأخوة التي ابتذلت –معناها الحق– وأن نعود إلى الشورى التي حرص عليها النبيّ صلىّ الله عليه وسلم. وقد آن أن يحتشد أبناء الجزائر كي يشيّدوا جميعا مدينة تسودها العدالة والحرية، مدينة تقوم على تقوى من الله ورضوان..” الجزائر في 16 أبريل– نيسان 1964. توقيع: محمّد البشير الإبراهيمي.

 وبعد هذا البيان التاريخي الذي أشار إلى الأزمة الروحية التي لها علاقة بموضوعنا، صودرت كذلك أملاك أحد أعضاء جمعية العلماء المسلمين الشيخ بيوض رحمه الله بالقرارة وأدخل السجن شهر أكتوبر 1964 ليخرج شهر رمضان 1965 بعدما ذاق كل أصناف التعذيب والاستنطاق بسبب الوشايات الكاذبة التي كان يروّجها خصوم الشيخ ومتزلفة بن بلة إلى درجة التشكيك في وطنية الشيخ بيوض ومن أنه على علاقة بالعقيد شعباني الذي أعدمه بن بلة الذي لم يكن يتساهل مع من يعارض سياسته، ولكن من جانب آخر وهذا مما لا يدعونا إلى اتهام بن بلة بعدائه للإسلام ولكن من حقنا طرح علامات استفهام كبيرة، يقوم بتعيين شخصية قديرة ومقتدرة علميا وخلقيا وهو الدكتور أحمد توفيق المدني وزيرا للأوقاف في حكومة سبتمبر1963 وبتعيين المفكر الجزائري مالك بن نبي سنة 1963 على رأس جامعة الجزائر. كما كان مستشارا للتعليم العالي ولكن لم يرتق إلى مستوى وزير، فهل تم ذلك لكفاءة مالك العلمية؟ أم لأنه كان هو كذلك معارضا لميثاق مؤتمر الصومام الذي تعددت حوله القراءات وضد خصم بن بلة اللدود ومهندس مؤتمر الصومام المرحوم عبان رمضان؟ ولكن وهذا هو الذي يهمنا في المسألة، ألم يتورط مالك بن نبي ذو المرجعية الإسلامية لما وضع يده في يد بن بلة المتشبع بالأفكار اليسارية الاشتراكية وبذلك يكون قد عمّق فجوة الخلاف التي كانت بينه وبين جمعية العلماء المسلمين التي تعود إلى ما قبل الاستقلال والشيخ عبد الحميد بن باديس على قيد الحياة؟ أم إنه أدرك ذلك متأخرا ولهذا لم نجد له أي أثر في كتاباته يعارض أو حتى يستنكر فيها أو يأسف لانقلاب 19 جوان 1965 الذي أطاح بصديقه بن بلة من السلطة بقيادة هواري بومدين؟ هذه كلها أسئلة تحيلنا إلى موضوع شائك ومعقد ومثير، وهو علاقة السياسي بالمثقف وبالخصوص في بلادنا والبلاد العربية الإسلامية.

 لم يكن الشيخ البشر الإبراهيمي لوحده من نبّه بن بلة حول الأزمة الروحية والاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد وإن كان له السبق، بل جاءت كذلك رسالة شاعر الثورة المرحوم مفدي زكريا في هذا الاتجاه، حيث بعث إليه من تونس بتاريخ 17 ماي 1965 يطلب من بن بلة التحرّك لانقاذ البلاد من الانهيار الذي لحق بالمؤسسات وبالمجتمع الذي تفشت فيه الرشوة والوشاية الكاذبة لدى مصالح الأمن والغش والثراء الفاحش الذي ظهر في حياة بعض المسؤولين دون غيرهم وقمع الحريات، ولكن رسالة الشاعر مفدي زكريا لم تجد من يلتفت إليها لأن بن بلة كان يعتبر شاعرنا عميلا للرئيس التونسي الحبيب بورقيبة الذي كان يختلف معه إيديولوجيا ولكن للأسف كانا على وفاق في ضرب المرجعية الدينية، من خلال التضييق على نشاط جمعية العلماء بالجزائر وتهميش رجالاتها وملاحقتهم وكذا ومثله الشأن في تونس حينما أقدم بورقيبة على غلق جامع الزيتونة ومطاردة العلماء وتسفيههم والاتجاه بسياسة البلاد إلى العلمانية المتطرفة وتجفيف منابع الدين الإسلامي، وهذه الإجراءات المتبعة هنا أو هناك كانت نتيجتها الفراغ القاتل في المرجعية المعتدلة ومع سوء التدبير هذا وغياب الحكمة، آل الأمر مع مرور الوقت إلى صالح التطرف والغلو والإرهاب الذي يتهددنا اليوم جميعا. 

 حينما نعود إلى مذكرات بن بلة رحمه الله، نكتشف أن أسباب الصدام الذي كان بينه وبين جمعية العلماء ليس وليد الاستقلال وإنما يعود إلى أيام الثورة، فبعد حديثه عن العمل المسلح الذي كان يقوم به وتهريبه للسلاح من ليبيا إلى الجزائر، يقول كما جاء في الصفحة 82 “.. المتاعب لم تأتني من المخابرات الفرنسية، بل من المخابرات الأمريكية لأنهم فيما أعتقد، وجدونا جذريين أكثر من اللازم لذلك أنشأوا في ليبيا بالاعتماد على بعض العناصر المعتدلة في جمعية العلماء وفي حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، شبكة تحت قيادة أمريكي مسلم تعمل بإزاء شبكتنا..”، فهل جندت فعلا المخابرات الأمريكية بعض العناصر من جمعية العلماء المسلمين في صفوف القوميين الجزائريين لصالحها تحت غطاء تقديم المساعدات العسكرية حتى يمكن أن تقطف منهم ثمار ذلك غداة الاستقلال على حد قول الرئيس بن بلة آنذاك تماما كما تفعل اليوم مع بعض الجماعات لاختراق الأمن القومي للدول في حالات الصراع والفتن حتى يسهل التحكم فيها فيما بعد؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • محب الابراهيمي لله

    يسجن الابراهيمي ال>ي لم تلد النساء مثله ويأتون بالعراقيين والمصريين ليعلموا أبناء البلد

  • حفيد سعيد

    سبحان الله ،كثيرا ما اتهم أنه علماني و أنه من خلال مؤتمر الصومام يحاول الانحراف عن بيان 1 نوفمبر، و كان من معارضي المؤتمر بن بلة و بعض العروبيين،لكن ماذا فعل لما تحكم في رقاب الناس سنة 1962؟ هل حكّم شرع الله ؟لا كلا و ألف كلا بل توجه شطر الشيوعية حتى في لباسه كان يتشبه ب ماو تسي تونغ،

  • الحسين الجزائري

    مقال رائع عن فترة بن بلة رحمه الله
    حقيقة كنت أتساءل ماذا لو أن بن بلة لم يتولى قيادة البلاد بعد الإستقلال ؟
    بن بلة عادى الجميع ، باستثناء عدد قليل من اتباعه ماجعل الهوة تتسع بينه و بين بقية رجالات الجزائر أنذاك فكيف له أن يجد الإستشارة الصحيحة
    مافعله بن بلة بعداوة الجميع أساء لنفسه قبل الآخرين بحيث أصبح لا يجد الإستشارة الصحيحة و بالتالي بدأ في ارتكاب الأخطاء التي ستتراكم و ستقود البلد إلى الهاوية و هو ما تنبه إليه المفكرون فنصحوه ، و عوض أن ينتصح بها فضل معاداتهم ما حتم 19 جوان 1965
    رحمهم الله

  • مواطن

    بل تعتمد على مقالاته في وسائل الإعلام امتنع فيها الرئيس بن بلة عن الإدلاء بأية أحكام ضد رفقائه ممن ألحقوا به الأذى وبكل ما من شأنه أن يسيء إليهم لأنهم كانوا رفقاء النضال الوطني.أما مؤتمر الصومام فإنك تتناسى أنه وقع والرئيس بن بلة في سجون فرنسا وأن موقفه الذي اعتمده في قضية عبان رمضان كان أن الثورة تعتمد على وحدة الصف ولا يجب التساهل مع أي فرد يتصل بالمستعمر دون إذن من قيادتها.ليس من حق أي صحفي أن ينشر افتراءات ساقطة لا تستند على الحقيقة.حرية الرأي تتطلب الشجاعة في جعل المقالة في خانة "رأي خاص"

  • مواطن

    إنك تلصق بالرئيس أحمد بن بلة كأنه كان وحده في الحكم ولم يشاركه في اتخاذ القرارات الأساسية أحد وتستند إلى الشاعر مفدي زكرياء وتمتنع عن ذكر محتوى رسالته للرئيس الذي ينوه فيها عليه بخصاله الوطنية ونضاله من أجل الدفاع عن الحق.إنك تذكر العقيد الشعباني ولا تذكر محاولات هذا الزعيم لينقض حياة البطل من أيدي الواشين والمتآمرين وقد أقيمت محكمة عسكرية التي قررت قتل العقيد الشاب وقد تشكلت من جماعة قامت بالانقلاب على بن بلة.إنك تتكلم عن ميت ولا تبحث عن شهود أحياء يبررون موقف الرجل بل تعتمد على مقالاته... يتبع

  • مواطن

    رغم ادعائك بأنك تسلك الموضوعية فإنك لا تنفك أن تظهر عداوتك لبطل لم يترأس الجمهورية سوى3سنوات مباشرة بعد الاستقلال في ظروف يشهد الجميع أنها كانت قترة مؤامرات غذتها الأطماع الشخصية والجزائر إذاك في حاجة إلى البناء انطلاقا من الصفر.الجمعيات الدينية أو السياسية كانت كلها ترغب في استرجاع مكانتها التي فقدتها مع انطلاق الثورة التي اشترطت من أعضائها أن ينخرطوا فيها فرادى خاصة وأن هذه الجمعيات لم تناضل من أجل الاستقلال عن فرنسا بل فضلت الاندماج ضمن دولة الاستعمار ما عدا حزب ميصالي الحاج.إنك تلصق ....يتبع

  • ترامب

    احمد منصور وقناته هل لهم مصداقية؟ قرأت المقال لكن
    لما وصلت لهذا المصري على ما اضن و جورج سوروس *مالك قناة الجزيرة*اكبر اعداء و قاتلي العرب
    انتقلت الى مقال آخر