بورقيبة يقود العالم العربي؟
نقرأ في السيرة الذاتية للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، أنه من مواليد عام 1903، وقاد تونس منذ استقلالها، إلى أن أزاحه من الحكم الرئيس الهارب زين العابدين بن علي، بعد أن دخل سنّ الخرف، وتوفي في السادس من أفريل من عام 2000. ونقرأ في السيرة السياسية لهذا الرجل، أنه عرف إمكانات بلاده البشرية والمادية، فسيّرها بطريقة، أنقذت تونس الفقيرة في خيراتها الباطنية، من الهزات الاقتصادية والاجتماعية العالمية، فكانت ثورتها الأخيرة بردا وسلاما، على التونسيين، الذين تمكنوا من أن يعيشوا بعيدا عن الفوضى، ويتجنبوا الكثير من العواصف التي أتت على أخضر بقية الدول دون المساس بتونس الخضراء.
كثيرون لا يعرفون عن الحبيب بورقيبة، سوى أنه كان يفرض تحديد النسل، ويشجع السياحة بكل مساوئها، ولا يقدم لقضية فلسطين الكلام المعسول كما فعل الآخرون ومازالوا، ولكنهم الآن يرون بأنه الوحيد ربما، من الزعماء السابقين من منح للتونسي مواطنته المفقودة في بقية البلاد العربية، بدليل أن الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي اعترف العالم بأسره بأنها فاحت منها رائحة الديمقراطية وقدمت- أخيرا- نموذجا غير سيئ للعمل السياسي في دولة عربية، أعادت ظِل بورقيبة، إلى الساحة السياسية والاقتصادية في بلد خرج من ثورة، ولكنه مازال مكانا مفضلا لأكثر من مليون جزائري، يطلبون الراحة والاستجمام فيه.
في مصر عاد الناصريون بقوة، ويكاد أنصار عبد الفتاح السيسي يقدمون أنفسهم ورثاء للناصرية، وفي العراق يحنّ أهل الرافدين إلى سنوات صدام حسين بعد أن ساهموا في شنقه منذ ثماني سنوات، كما يحن الليبيون إلى سنوات السلم التي عاشوها في زمن رئيس بلدهم السابق الذي ساهموا في قتله منذ ثلاث سنوات، وهو دوران تراه أطراف، بعض الحسنات للأنظمة السابقة، بينما يراه البقية دليلا على أنهم كانوا سيئين إلى درجة أنهم فتحوا منافذ الطوفان في توقيت رحيلهم، واستعملوا مع شعوبهم سياسة الأرض المحروقة، فوجد الناس أنفسهم أمام شبه أميين يمارسون السياسة، فتعددت الأسماء والتيارات بين إسلاميين وديمقراطيين وبقي الإفلاس واحدا، حيث سقطت النهضة وحزب المرزوقي اللذين زعما دائما، بأنهما البديل لسياسات بورقيبة واتهماه بالعمالة للأمريكان والفرنسيين.
لم يكذب بورقيبة يوما على شعبه، ولم يعده بالجنة وسط لهيب الأزمات وفقر البلاد، ولم يحاول أبدا أن يجعل من نفسه قائدا قوميا قاهرا للإمبريالية والصهيونية، كان يبحث عن سعادة التونسيين بسياسة مسالمة، يعلمهم كيف يخفضون أصواتهم ولا يبصقون في الشارع، كان صديقا لكل دول العالم من أجل شعبه، وكلما اندلعت الأزمات العابرة بين بلد وآخر إلا واختار البلدين معا، ليكون صديقهما في لهيب عداوتهما، حتى خرج من الحكم ثم توفي، وعرف التونسيون بعد عقود، بأن ما جنوه من سلم إنما كان بسياسة هذا الذي وضعه بعض من التونسيين وبقية الشعوب المجاورة، ضمن قاموس النكت، ليبيّن التاريخ بأنها مبكية وليست مضحكة.
هل بدأت تونس؟ هل عادت إلى الخلف.. المؤكد أن الذي يريد أن يقفز أعلى، عليه العودة قليلا إلى الخلف، وربما هذا ما فعلته تونس التي سماها رئيسها الأسبق بالخضراء فقررت أن تبقى خضراء.