بين “المطرق” والسندان
المزايدون اليوم على الرئيس والمناقصون عليه، إما أنهم ناقصو “عقل ودين” وإما أنهم يملكون فائض قيمة من قلة العقل. فهم يعلمون علم اليقين أنهم هم كانوا، أو كثير منهم، من رجالاته ونسائه، يعرفون تمام المعرفة أن الرئيس لم يملِ عليه أحدٌ يوما شيئا لما يتعلق الأمر بالاختيارات الكبرى للبلاد، اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.. هذا بغض النظر عما إذا كانت خياراته صائبة أم غير صائبة، فهذا ليس ما يهمنا اليوم.
ما يهمنا الآن، هو تلك المزايدات القادمة من “ذوي القربى، واليتامى، والمساكين وأبناء السبيل“، الذين كانوا إلى أيّام غير معدودات جزءا لا يتجزَّأ من العهدة الرابعة والداعين لها والمتحمسين لها وعليها. اليوم، الكثير من هؤلاء بقي يتساءل عن قلة عقل أو استخفافا بالعقول: هل الرئيس هو من أمضى الرسالة إلى هولاند؟ هل الرئيس هو من يحكم أم سلال أم سعداني أم أويحيى أم من؟ وهل الرئيس في كامل صحته؟ هل هو هنا؟ أم هناك؟ أم أين هو؟
هذه التساؤلات الغبيّة، كان الأجدر بهم أن يطرحوها في وقتها، أما اليوم وقد كادت العهدة الرابعة أن تنتهي، فلا يحقّ لأحد من هؤلاء أن يستعيد “عذريته” السياسية بعدما انكشفت أوراق التوت عن الجميع؛ فالرئيس يعي ما يفعل، ويعلم ما يفعلون، ولا يفعل إلا ما يريد! هذه هي استراتيجية الرئيس من أول يوم في المرادية: يراوغ هذا بذاك، ويمرر الكرة إلى ذاك، ويقذف باتجاه تلك.. تكتيكاته واستراتيجيته معروفة تاريخيا مع الدبلوماسية الغائرة في ثقافته السياسية، فهو الآن يمرّ إلى النقطة الحاسمة التي خطط لها: سحب البساط من نفوذ السياسيين والعسكريين والأمنيين، وتحويلها إلى سلطة الاقتصاد وأرباب الأعمال والمستثمرين. بمعنى تكوين بورجوازية وطنية قادرة على تحمّل مسؤولياتها في مسألة الأمن الغذائي والصناعي.. قوة اقتصادية وطنية قادرة على منافسة القطاع الخاص الرأسمالي الغربي. مسألة أفلح أم لا، تلك مسألة أخرى، لكن لا أحد الآن من حقه من رجالات ونساء السلطة والسياسيين الهواة أن ينكر على الرجل أنه صاحب القرار؛ فهو الذي يقرر والآخرون إنما يكررون! ولويزة حنون عندما تعتقد أنها كانت تعتقد أن الرئيس سيبني الاشتراكية مرة ثانية، كانت حمقاء مثل “هبنقة“!
نمتُ على هذا الهمّ، لأجد نفسي أعمل “مكواجي” في بريسينغ! أحدد وأكوي فيه الشعب أستعمل الحديد، وأحدد به الأطراف المثنية غير السوية وأقول: هذا الشعب ما بغاش يتسڤم، الآن، نحددوه! حداد وجماعته هم من سيكْوُونه في كل مكان حتى يستقيم ويصبح قابلا للطي، طيعا، لينا، سهل التعامل، فقد حاولت اليوم مع رجل مجلبب أحدده، فراح يقول لي: تحدد وإلا تقعد، أنا أعوج أعوج، لأن الدعوة مثل هذه الخيزرانة.. منين عوجة؟ من الفوق! أحنا ما نتسقموش وما نتحددوش، يا لو تردونا الاستعمار من جديد! ما فهمناش، تحاكموا بن حديد وتربوا في حداد، وتحدو الموس في ربراب، ما فهمناش؟ حتى أصحاب الشكارة فيها نتاع السلطة وفيها نتاع المعارضة. ثم راح يردد أبياتا لعبد الرحمن المجذوب: “قلبي جا ما بين يدين الحداد.. والحداد ما يحن ما يشفق عليه.. ينزل الضربة على الضربة وإذا برد، زاد النار عليه“!
وأفيق وسط بِركة من مياه الحنفية بعد أن عادت “المياه إلى مجاريها” إثر انقطاع دام أسبوعا!