الرأي

تجار الموت!

جمال لعلامي
  • 418
  • 3
أرشيف

خبران مثيران ومستفزّان، يجب التوقف عندهما، الأول: “حراقة يدفعون 30 مليونا لسماسرة قوارب الموت”، والثاني: “قنصلية فرنسا تحذر الجزائريين من إعلانات بيع فيزا شنغن”!
الأول مرتبط بالثاني، والعكس بالعكس صحيح، فظاهرة الحرّاقة أو الهجرة السرية، تحوّلت دون شك إلى ظاهرة مخيفة، غريبة وعجيبة، لا الحكومة ولا الأحزاب ولا النواب ولا المجتمع المدني ولا الخبراء والجمعيات، نجحوا في توقيفها، رغم حملات التحسيس والتخويف منها!
كذلك، ملف “الفيزا”، مازال مثيرا ومدعاة للاستغراب والتعجّب، وهو ما تقرؤه الطوابير المتزاحمة أمام السفارات و”المكاتب” المكلفة بدراسة الملفات، والحال أن تحذيرات القنصلية أو السفارة الفرنسية، من “تجار الأوهام”، ما هي في الواقع سوى الشجرة التي تغطي الغابة، أو الظاهر من جبل الجليد!
لم يعد مفيدا ولا من اللائق التساؤل، حتى وإن كان بشكل مشروع، عن أسباب وخلفيات تنامي ظاهرتي “الحرقة” و”الفيزا”، وإن كان لكل منها معنى وتفسير، إلاّ أنهما وجهان لعمل واحد، فكلامهما يحملان هدفا واحدا هو السفر ومغادرة التراب الوطني، للأسف، فإنه في أغلب الحالات، فإن هذا المبتغى، يتحوّل من الحلم إلى الوهم، وأحيانا إلى مأساة!
في مثل هكذا موضوع، لا يجب الاقتصار في عملية الاستماع إلى الشهادات والاعترافات، على أولئك الذين “هربوا ونجحوا”، والذين ركبوا قوارب الموت وأنقذهم الله من الغرق و”الدّود”، والذين غادروا بتأشيرة ثم سوّوا “كواغطهم” بشقّ الأنفس، بل يجب الاستماع جيّدا و”الاستمتاع” بنصائح وتحذيرات أفراد وجماعات، ذاقوا الويلات، وعاشوا الجحيم، في مراكز التجميع، وفي السجون، وبالشوارع وتحت الجسور، وافترشوا “الكارطون”!
نعم، المحاولة تقتضي المغامرة والمقامرة في أغلب الأحيان، لكن هل يُعقل أن يحمل الأب معه رضيعه في قارب الموت؟ هل من العقل أن تجازف المرأة في عمق البحار؟ هل من الرأي السديد أن يدفع المهاجر 30 مليونا وربما عن طريق “الكريدي” من أجل المجازفة والمخاطرة وشراء الحوت في البحر، وربما شراء الموت بدل الحياة؟
ما يحدث بالبحار وفي طوابير “الفيزا”، لا يسرّ لا عدوّا ولا صديقا، ومهما كانت المبرّرات والدوافع والاضطرارات والطوارئ، فإن الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، الذين أصبحوا في عداد الموتى أو المفقودين، حرقوا أكباد عائلاتهم، وطاردوا في المجمل خيط دخان، حتى وإن كانت الإغراءات لا تـُقاوم أحيانا، أفلا يهتدي تجار الموت عبر البحار والمحيطات ومواقع بيع “الفيزا”، ويتركون الضحايا وشأنهم، يبحثون عن لقمة العيش بعيدا عن الانتحار والارتماء في مستنقعات التهلكة!

مقالات ذات صلة