الرأي

تحرير فلسطين بالمقاومة لا بالمقاولة

حبيب راشدين
  • 3302
  • 2
ح.م

سنتان من الجعجعة الصاخبة بطحين هزيل حول “صفقة القرن” تكون قد ذهبت أدراج الرياح، وانتفخ سحرُها، وظهرت على حقيقتها، كصفقة مضاربة من تاجر فاسد، يريد التخلص السريع من سلعة فاسدة اسمها التوطين الدائم لكيان هجين، لم تفلح سبعة عقود من التآمر الدولي في فرضه كأمر واقع، لا على الفلسطينيين ولا على العرب والمسلمين ما دام الفلسطينيون، كل الفلسطينيين، متمسكين بالحد الأدنى من حقوقهم بقيام دولة كاملة السيادة على حدود 67 وعاصمتها القدس، وضمان حق العودة لتسعة ملايين فلسطيني في الشتات.

هذا ما سمعه العالم أمس الأول من جميع الفصائل والفعاليات الفلسطينية، المجتمعين في لقاء بيروت برئاسة محمود عباس، وحضور جميع أمناء الفصائل وممثلين عن فلسطينيِّي الخط الأخضر، في أول رد فلسطيني وحدوي قوي على قرار التطبيع الإماراتي، ومن خلاله على “صفقة القرن” التي نحمد لها نجاحها في إسقاط مسار أوسلو اللعين وإقباره بلا رجعة، كما يُحمد لها فضحها لمحور التطبيع العربي في الوقت بدل الضائع وقد صعقه الفلسطينيون برسالة واضحة تقول: ليس لكائن من كان أن يتصرَّف في الحقوق الفلسطينية أو يتاجر بها كما فعلت دولة الأمارات، ووصفه محللٌ إسرائيلي أنه “لا يساوي قشرة ثوم”.

لقاء أمناء الفصائل الفلسطينية برئاسة محمود عباس يكون قد أعاد بلا شكّ توجيه البوصلة الفلسطينية بإعلاء خيار الوحدة، وإنهاء الانقسامات، مع تحديد سقف واضح للنضال الفلسطيني من أجل قيام دولة فلسطينية محكومة بمبدأ “لا  فلسطين بلا غزة، ولا دولة بلا قدس عاصمة لها” مع قطع الطريق على عودة مسار أوسلو، وتفرُّد الولايات المتحدة بإدارة المفاوضات، وتحرير القرار الفلسطيني من أيِّ وصايةٍ عربية أو إسلامية.

أقوى كلمة في اللقاء كانت للرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي اعتبر قبول أي فلسطيني أو عربي بالتفاوض على بنود الصفقة “خيانة عظمى” ولوَّح بخيار العودة إلى المقاومة الشاملة، بما في ذلك المقاومة المسلحة، وإعادة تحميل الكيان الصهيوني عبء الاحتلال واستحقاقاته الثابتة في القانون الدولي، كخيار وحيد لحمله على القبول بالمبادرة العربية لسنة 2002، التي شكلت وقتها حدا أدنى فرضه الأمرُ الواقع واختلال موازين القوة.

ومن باب الأمانة، فإن المبادرة العربية كانت في الحد الأدنى قد سمحت بقطع الطريق أمام التطبيع الأحادي باشتراط قيام الدولة الفلسطينية على حدود 67 وانسحاب الكيان من الجولان، كما فُهمت وقتها كإجراء داعم يحمي الفلسطينيين من ألغام “مسار أوسلو” الذي كان أعلى سقف فيه: قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، بحدودٍ معدَّلة، وبؤر استيطانية غير قابلة للترحيل.

ومن باب الأمانة أيضا، التذكير بمسؤولية النخب الفلسطينية فيما حصل من تراجع وانتكاس مريع للمواقف العربية، ودخول بعض الدول العربية في مسارات تطبيعية مقنّعة، سبقت الخطوة الإماراتية بانسياق منظمة التحرير الفلسطينية إلى مستنقع التطبيع مع المحتلّ قبل قبض مستحقات “اتفاقية أوسلو” التي فاوض فيها الفلسطينيُّ بعيدا عن حاضنته العربية والإسلامية، قبل أن يضع جميع بيضه في السلة الأمريكية ويستبعد غطاء الرباعية، ومعها مظلة الشرعية الدولية الضامنة للحد الأدنى من حقوقه التاريخية.

عودة النخب الفلسطينية إلى خيار الوحدة والمقاومة بجميع أشكالها، مع إعلان الطلاق البائن مع الولايات المتحدة الأمريكية، هي إحدى الثمار المباركة لـ”صفقة القرن” التي وُلدت ميتة، وقد تفتح أمام الفلسطينيين آفاقا جديدة، مع ما يشهده العالم من تقلبات متلاحقة لموازين القوة التي صنعت الكيان، وقد تسمح بفرض خيار آخر لقيام “دولة فلسطينية ديمقراطية متعددة الأعراق” على كامل فلسطين التاريخية، يحسم مستقبلها الرّحمُ الفلسطيني الولاد.

وقد تكون هذه آخر فرصة أمام الفلسطينيين لاستخلاص العبر من التجارب السابقة لهم ولجميع الشعوب المستعمَرة على أن الدخول في أي مسار تفاوضي مع المحتل لا يكون إلا بعد فرض أمر واقع على الأرض بأدوات المقاومة، وأن تثبيط مسارات التطبيع من قِبل دول الحاضنة العربية يبدأ بقطع دابر التطبيع الفلسطيني مع الكيان خارج ما يُعرض من فرص التفاوض الآمن تحت سقف الشرعية الدولية والأصبع على الزناد، وما ضاع حق وراءه مطالب.

مقالات ذات صلة