-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تركيا.. خطوتان غير كافيتين

حسين لقرع
  • 922
  • 0
تركيا.. خطوتان غير كافيتين

قرارُ تركيا تجميدَ علاقاتها التجارية مع الاحتلال الصهيوني، هو خطوة أولى في الاتجاه الصحيح؛ فمنذ بداية حرب الإبادة بغزة والشعوبُ العربية والإسلامية وكذا الأصواتُ الحرّة في هذا العالم تستنكر على تركيا أن تواصل تزويد الاحتلال بما لذّ وطاب من أغذية ومؤن في حين يتعرّض 2.3 مليون فلسطيني في غزة إلى تجويع ممنهج، وحرب إبادة وحشية، وتدمير واسع لبيوتهم ومستشفياتهم ومدارسهم ومساجدهم…

وللأسف، تطلّب الأمرُ سبعة أشهر كاملة من حرب الإبادة والتجويع حتى تقتنع تركيا أخيرا بضرورة قطع علاقاتها التجارية مع الاحتلال، بدل أن تتّخذ هذا الإجراء في الأيام الأولى، بل تقطع العلاقات بكافّة أشكالها مع هذا العدوّ المجرم النازي. لقد كان موقفُ أنقرة في الأشهر السبعة الماضية متخاذلا وكثير التردّد ولم يختلف في شيء عن مواقف بقيّة دول التطبيع والانبطاح التي فتح بعضُها طريقا برّيا باتجاه فلسطين المحتلّة لكسر الحصار البحري الذي يضربه الحوثيون على الاحتلال منذ نوفمبر الماضي، ولم يرقَ حتى إلى مواقف جنوب إفريقيا وكولومبيا والشيلي وبوليفيا التي طردت سفراء الكيان من عواصمها واستدعت سفراءها للتشاور، مع أنّها دولٌ غير إسلامية وبعيدة جغرافيّا عن فلسطين، بل إنّ بوليفيا اتخذت الخطوة الأهمّ يوم الخميس 2 ماي وأعلنت قطع العلاقات الديبلوماسية مع الكيان، غير مكترثة إطلاقا بإمكانية تضرُّر علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، والمفارقة أنّ الرئيس التركي طيب رجب أردوغان أعلن في اليوم نفسه قطع المبادلات التجارية مع الاحتلال والتي تبلغ 6.8 مليار دولار، 74 بالمائة منها صادرات تركية باتجاه العدوّ، واكتفى بهذه الخطوة، وهي أقلّ شأنا وأقلّ جرأة كما نرى من قرار الرئيس البوليفي غوستافو بيترو!

وحتى لا نكون قاسيين على أردوغان، فإنّنا نأمل أن يكون قرارُ قطع العلاقات التجارية مع الكيان الصهيوني هو مجرَّد بداية لقرارات أهمّ تصل إلى حدّ القطيعة النهائية معه، ولذلك قلنا إنّها خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، ومن المؤشِّرات على ذلك انضمامه إلى الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا على الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، وهي خطوة أخرى، وإن كانت رمزية بالنظر إلى عدم اكتراث الاحتلال بقرارات هذه المحكمة، إلا أنّها مهمّة سياسيّا مقارنةً ببلدان التطبيع الأخرى التي انبطحت كليا للكيان ولم تعُد تقوى حتى على التنديد بمجازره اليومية في غزة.

في صيف 2016، قرّر أردوغان تناسي مأساة سفينة “مرمرة” وإعادة العلاقات الديبلوماسية مع الاحتلال، فكتبنا في هذه الزاوية نقول إنّ هذا القرار خطأ فادح ولن يخدم مصلحة تركيا بقدر خدمة مصلحة الكيان؛ فهو سيُضعف الفلسطينيين وخاصة مقاومتهم البطلة، ويبيّض وجه الاحتلال ويشجّعه على ارتكاب المزيد من الجرائم ضدّهم، كما يساهم في توسيع دائرة التطبيع وسط دولٍ عربية وإسلامية أخرى، ومن ثمّ يُنهي عزلة الكيان الإقليمية ويعمل على دمجه تدريجيًّا في المنطقة على حساب القضية الفلسطينية التي سيتراجع الاهتمامُ بها أكثر إقليميًّا ودوليًّا… وقد أثبتت تطورات الأحداث صحّة ذلك كله، فطبَّعت الإمارات والمغرب والبحرين والسودان وأذربيجان والتشاد، وكادت دولٌ عربية وإسلامية أخرى أن تلحق بركب المهرولين لولا “طوفان الأقصى”.. وخلال الحرب الحالية أظهر العدوُّ وجها إجراميا وحشيا فاق كلّ تصوّر، فأسقِط في يد أردوغان ولم تنفعه التصريحات النارية التي يطلقها بين الفينة والأخرى على الكيان في وقتٍ كانت سلعه تتدفّق يوميا على موانئه، وكان من نتائج سياسة مسك العصا من الوسط، أن عاقب الأتراك حزبه في الانتخابات البلدية التي جرت قبل أسابيع ليُمنى بخسارة قاسية، ما جعل أردوغان يتحرّك في الوقت بدل الضائع لإنقاذه قبل أن يتحوّل الأتراك إلى البديل الأربكاني، فاتّخذ قراري قطع العلاقات التجارية مع الاحتلال والانضمام إلى جنوب إفريقيا في دعواها ضدّه أمام محكمة العدل الدولية، لكنّهما خطوتان غير كافيتين من أردوغان ودون مستوى قرار الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، ونأمل أن يستدرك الأمر ويتّخذ قرار القطيعة الشاملة في الأيام القادمة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!