جواهر
مدونات

تعالوا نتفق أننا مختلفون!

أدهم الشرقاوي
  • 1547
  • 11
ح.م

يُحكى أن حافلة كانت تُقِل مجموعة من العلماء لدراسة الحياة البرية في إحدى القرى النائية، ولما صارت الحافلة على مشارف تلك القرية انقلبتْ، ومات كل من فيها!

فأصدرت بلدية القرية قراراً يقضي بدفن جميع العلماء في القرية تخليداً لذكراهم، على أن تفتح باب المقبرة لذويهم يوماً في الأسبوع إذا رغبوا بزيارتهم..

وصادف أن دُفن عالم فرنسي بجوار عالم هندي، وكان لكل منهما قريب لا يتخلف عن زيارة قبر قريبه كلما فتحت المقبرة بابها في اليوم الموعود..

كان الفرنسي يحضر متأنقاً حاملاً باقة ورد يضعها على قبر قريبه، وكان الهندي يحضر على هيئة رثة يحمل صحن أرز ويضعه على قبر قريبه أيضاً..

ودارت الأيام، ليل يطويه نهار، ونهار يطويه ليل وهُما على هذه الحال، إلى أن أراد الفرنسي أن يسخر من الهندي وقال له: متى سيقوم قريبك ليأكل صحن الأرز؟!

نظر الهندي إلى الفرنسي بهدوء وقال له: عندما يقوم قريبك ليشمَّ باقة الورد!

الشاهد في القصة أننا ندير حياتنا وفق قيم، ومعتقدات، وعادات، ألِفناها وتربينا عليها حتى غدت جزءاً من منظومتنا الفكرية، هذا إن لم تكن منظومتنا الفكرية كلها، فما الإنسان غير حزمة قيم ومعتقدات وعادات!

وبالتالي فإننا نحكم على سلوكات الآخرين منطلقين من معتقداتنا ومنظومتنا الفكرية، فما وافقها كان صائباً، وما خالفها كان خاطئاً!

للوهلة الأولى قد تجد أن باقة الورد على قبر الفرنسي أجمل من صحن الأرز على قبر الهندي، ولكنك لو تأملت الحادثتين بموضوعية فستجد أن باقة الورد الفرنسية ليست إلا صحن أرز هندي بأسلوب حديث!

إننا لا نعيش وحدنا على هذا الكوكب، هناك آخرون يروننا غريبي الأطوار لأن منظومتهم الفكرية تختلف عن منظومتنا الفكرية، ونحن نراهم كذلك لذات السبب!

أسهل طريقة لفهم سلوكات الآخرين هو فهم العقلية التي أنتجتها! أنا هنا لا أدعو لأن نتنازل عن مبادئنا وأفكارنا وقيمنا إرضاء للآخرين، وتحقيقا لإنسانيتنا، على العكس تماما أنا أريد أن نتمسك بكل ما سلف، ولكن في طريقنا لفعل هذا علينا أن نفهم أن المُختلفين عنا هم بشر أيضاً، وأننا لو عشنا ظروفهم وحياتهم لكنا نسخة عنهم..

إننا نتخذ من عاداتنا وتقاليدنا أداة قياس أشبه بمقياس ريختر للزلازل، فالإنسان عندنا هو إنسان بقدر ما يشبهنا، وهو ليس كذلك بقدر ما يختلف عنا..

آمنوا بما أنتم مؤمنون به، علموه أولادكم، وكونوا فخورين به ما دمتم ترونه صواباً، ولكن تذكروا أن هذا الكوكب هو عبارة عن فندق كبير لستم نزلاءه الوحيدين!

تتنوع العادات لأن الثقافات تتنوع، وهذا دليل عافية، ولولا تنوع الأذواق لفسدت السلع كما يقول ابن خلدون..

وتذكروا دوما أن باقة الورد الفرنسية هي ذاتها صحن الأرز الهندي ولكننا نتقبلها أكثر لأنها خرافة شاعرية!

مقالات ذات صلة