الرأي

توضيح

أثارت كلمتي التي نشرتها في يوم الاثنين الماضي عن قدور ابن غبريط كثيرا من التعليقات، أكثرها مُستحسنٌ لها وقليل مُستنكرٌ.

 بعد شُكر جميع المعلقين إلا واحدا، أقول إن الذين استحسنوا تلك الكلمة فلأنهم تبينوا منها بعض حقيقة قدور ابن غبريط، التي قد تكون حفيدته نفسها جاهلة لتلك الحقيقة، وأظن أنها لو كانت على عِلم بتلك الحقيقة لما افتخرت به، وهو الذي كان يعتقد أن استعباد فرنسا لقومه وإهانتها لهم نعمة دعا إلى إدامتها، حيث قال لأحمد حسن الزيّات: “أدام الله نعمة فرنسا على شعوب العرب”. (وحي الرسالة ج4/168). وأما إن كانت على عِلم وزيّفت الحقيقة فهي وجدّها ومن على مذهبهما مِمّن قال الله ـ عز وجل ـ فيهم  :  ويُحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا..”.

 وأما الذين استنكروا ما جاء في كلمتي فقد يكونون ممّن قال فيهم الإمام خالد الذكر، جميل الفعل عبد الحميد ابن باديس: “يقرأون ولا يفهمون، أو يفهمون ولا يتأملون، ثم يسارعون فيغضبون ويصخبون”. (جريدة المنتقد ع3. في 16/07/1925. ص3).

 لقد اعتبروا كلمتي هجوما، بل تَجَنيا، على نورية ابن غبريط، وهذا خطأ، لأنني لم أستهدفها شخصيا، وإن كُنت لا أنكِر استهجاني ولا غضبي لما ترتكبه من تشويه هي وغيرها في أجمل لغة وأقدس لغة. وإنني لفي تساؤل منذ سمعتها أوّل مرة: كيف يمكن لإنسان ـ ذكر أو أنثى ـ ينتمي إلى قوم ويعيش بينهم أكثر من نصف قرن، ويكون “عڤّونًا” في تلك اللغة؛ هل السبب في ذلك راجع إلى عجز في تعلّم تلك اللغة، أم إلى نفسية استعلائية عليها. وإنني كلما سمعتُها وأمثالها تذكرتُ مقولة الشيخ إبراهيم أبي اليقظان: “الألسنة الفرنسية في الأفواه العربية”.

 إنني أرجِحُ أن السبب راجع إلى احتقار اللغة العربية والاستعلاء عليها، والدليل هو أن مُغتربينا الأمّيين الذين ينتقلون من بوادينا إلى فرنسا لا يمضي عليهم إلا زمن قصير حتى ينطقوا الفرنسية كأهلها أو أحسن، لأنهم لا يحملون كُرها أو حِقدا على تلك اللغة، وإن لعنوا ـ بالديكسيونير ـ كما يقول سي مولود قاسم ـ رحمه الله ـ أهلها الذين اعتبرهم قدور ابن غبريط “نعمة”.

 أما العنوان الذي جاء في الصفحة الأولى من العدد الذي نُشرت فيه كلمتي فهو اجتهاد من القائمين على الجريدة، وهي المسؤولة عن ذلك، لأنني لم أكن معنيا لا بأصل نورية ولا بأصل غيرها، إلا إن دعت الضرورة إلى ذلك.

 وأما الواحد الذي استثنيته في صدر هذه الكلمة من شكري فهو ذلك الذي كذب عليّ مُتعمدا، وتَقوّلَ عليّ بأنني أدعو إلى الجِهوية، وزاد في غَيّه فقال بأنني فعلت ذلك في مسجد الكوثر بالبليدة. إن الذين سمعوني وقرأوا لي من تلمسان والمشرية وتندوف غربا، إلى سوق أهراس وتبسة وعنابة شرقا، مرورا بمدينة الجزائر وتيزي وزو والأغواط والڤرارة ومتليلي وعين صالح وتمنراست.. يعلمون أن “الحسني” من الذين يلعنون كل من يُفرّق ـ كالشيطان ـ بين الجزائريين، وأن قلمي ولساني موقوفان على الدعوة إلى وحدة الجزائريين ومحبتهم لبعضهم. إن الذي اتهمني بما ليس فِيّ؛ إما أنه ممن لا يعمرون مساجد الله، وهو أذنٌ لغيره، أو من الذين يرتادونها وهو في حقيقته ممن وصفهم الله ـ عز وجل ـ في كتابه الكريم بـ”السمّاعين”، و”المُسترقي السمع”.

 اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا قوله واتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا استنكاره واجتنابه.

مقالات ذات صلة