الجزائر
أساتذة وطلبة يدقون ناقوس الخطر

ثلاث سنوات شبه بيضاء على الجامعة الجزائرية!

إلهام بوثلجي
  • 4285
  • 5
أرشيف

حذّر أساتذة جامعيون وممثلو طلبة من تدهور مستوى التحصيل العلمي في الجامعات الجزائرية التي عانت منذ سنوات من تغليب الكم على الكيف وخروجها من أغلب التصنيفات العالمية، لتجد نفسها رهينة ثلاث سنوات شبه بيضاء، بداية من الحراك الشعبي والحجر الصحي، جراء تفشي فيروس كورونا، وإلى غاية اعتماد نظام التعليم الهجين.
وفي السياق، رصد الأستاذ الجامعي، الدكتور حسين بوبيدي، ثلاث محطات مفصلية أثرت على التحصيل العلمي والبيداغوجي للطلبة خلال السنوات الأخيرة، ليتساءل: “هل هناك ما يمكن إنقاذه؟”.

مواسم الحراك وكورونا فاقمت تدني مستوى التحصيل العلمي

وذكر بوبيدي بأن أول نكسة للجامعة الجزائرية كانت في الموسم الجامعي 2018/2019، إذ تحولت المشاركة الجامعية في الحراك مع بداية السداسي الثاني إلى عزوف عن الدراسة، ورغم الجهود التي بذلت لاستئنافها، إلا أنه تم التضحية بجزء من السنة الجامعية في خضم مزايدات سياسوية آنذاك.
وتأتي بعدها السنة الجامعية 2019/2020 ويتزامن السداسي الثاني منها مع وصول وباء كوفيد للجزائر، ليتم غلق الجامعات -يقول بوبيدي- وهذا في ظل فشل ذريع حينها لإيجاد أي بدائل بسبب عدم وجود تقليد حقيقي وعلمي للتدريس عن بعد، وضعف إمكانيات الجامعات ومدى كفاءة الأساتذة لهذا النمط، مع عدم وجود تدفق الانترنت الذي يسمح بتعليم تفاعلي في حالة وجود الإرادة والكفاءة، لتنتهي هذه التجربة-حسبه- بمجرد وضع محاضرات مكتوبة وأحيانا ملخصات بسيطة على منصات التعليم عن بعد.
أما الموسم الجامعي 2021/2020، فقد تميز، وفق الدكتور بوبيدي، بمراجعة بعض الطرق السابقة، وتبني نظام الدفعات، واقتصر التعليم الحضوري على الوحدات الأساسية، مع استمرار نمط “التعليم عن بعد” للوحدات المتبقية، إلا أنه لم يمر مرور الكرام – يضيف المتحدث- وكانت له آثار واضحة على المعدلات والعلامات التي لا علاقة لها بالتحصيل العلمي، بسبب ما يسمى الامتحانات عن بعد، والتي لم تكن سوى أعمال جماعية في غرف “الماسنجر” و”الواتساب”، لينتقل الطلبة من سنة جامعية إلى أخرى بصفر “تحصيل علمي”.
وبعد ثلاث سنوات شبه بيضاء انطلقت السنة الجامعية الحالية في محاولة لتدارك ما فات، حيث لجأت الوزارة إلى توسيع التعليم الحضوري ليشمل الوحدات المنهجية، مع استمرارية نظام الدفعات، والتأكيد على نمط التعليم عن بعد للوحدات الاستكشافية والأفقية، ليتساءل بوبيدي في الأخير: “هل يمكن تعويض ما فات؟ الأمر يحتاج أولا إلى مصارحة وتوصيف دقيق، أما مع الإنكار فإننا نعيش فترة من أسوأ محطات تاريخنا العلمي”.

بوبيدي: نطالب بتقييم موضوعي وحقيقي لوضعية الجامعة
وأوضح بوبيدي في حديثه لـ”الشروق” بأن الوضع في الجامعة أخطر مما يروج له من نجاح في تعويض الدروس وتجنب السنة البيضاء واختتام الموسم الجامعي، ولا سيما في شعب العلوم الإنسانية والاجتماعية، والتي قال إنها تعاني خلال السنوات الثلاث الأخيرة من عدم القدرة على تغطية المنهاج ولو بنسب مقبولة.
وشرح أنه بسبب نظام الدفعات لم يحقق الطالب حتى 50 بالمئة من التحصيل البيداغوجي، فضلا عن عدم امتلاك التكوين عن بعد للإمكانيات، لا على مستوى القدرات التقنية ولا التأهيل وقدرة الأساتذة على التأقلم مع هذا النوع من التعليم، بالإضافة إلى أن الطلبة في حد ذاتهم لا يملكون القدرات المادية والمالية لهذا النوع من التعليم.
وفيما ثمن الأستاذ تدارك الوزارة للوضع هذا العام بزيادة عدد الحضورية، إلا أنه لم يخف تخوفاته من نظام الدفعات الذي لا يسمح للأساتذة بتغطية المنهاج مع هاجس حدوث موجة رابعة، ليطالب بتقييم موضوعي وحقيقي لوضعية الجامعة خلال السنوات الأخيرة لتدارك ما يمكن تداركه.

محمد الهادي زمولي: جيل كامل تحصل على الشهادة دون تكوين حقيقي
ومن جهته، قال الدكتور محمد الهادي زمولي، الأمين العام للاتحاد الطلابي الحر، بأنه بغض النظر عن الآثار السلبية التي خلفتها ظروف الحراك الشعبي ووباء كورونا، فإنّ سياسة الكم طغت في السنوات الأخيرة على النوع في الجامعة الجزائرية.
ولفت إلى أنه تم تشييد عدة هياكل جامعية في عدة مدن وولايات مع فتح الكثير من التخصصات والشعب وميادين التكوين، دون وجود إمكانية لتأطير هذا الكم الهائل أو حتى أساتذة مؤهلين ومكونين.
وأضاف الدكتور زمولي بأنه مع السنوات الأخيرة تفاقمت الأوضاع أكثر وخاصة في ظل تراكمات الثلاث سنوات الجامعية، بداية من الحراك حتى كوفيد 19 الذي دفع بالجامعة لتبني نمط التعليم عن بعد دون وجود أي جاهزية، خاصة تلك المتعلقة بالوسائل التقنية وتدفق الانترنت، ليشير إلى أن كل من الطالب أو الأستاذ غير مؤهلين للتعليم عن بعد، وهو ما وسع -حسبه- الهوة والفجوة بين الطالب والمقررات الدراسية.
وقال ممثل الاتحاد الطلابي الحر بأنه خلال الثلاث سنوات الأخيرة تم تعليق التربصات والأعمال التطبيقية، والنتيجة تخرج طلبة بشهادة ليسانس ومهندس دون القيام بأي تربص أو درس تطبيقي، ما سبب تراجعا كبيرا في نوعية التكوين لجيل كامل تحصل على الشهادة دون تكوين حقيقي، وخاصة في ظل عدم إجبارية الحضور التي كان معمولا بها قبل موسم “الكوفيد”، ليضيف: “الآن التحدي أمام قطاع التعليم العالي هو كيف يستفيد من تجربة الموسمين الماضيين؟ مع الحفاظ على بروتوكول صحي صارم؟”.
وأشار ذات المتحدث إلى أن الوزارة حاولت التدارك في بروتوكول تسيير السنة الجامعية من خلال إجبارية الحضور في الأعمال الموجهة التطبيقية مع رفع عدد الحصص الحضورية، لكن ذلك يبقى مرهونا – حسبه – بالتطبيق الفعلي وتقليص فترة الانقطاع بين التعليم الحضوري وعن بعد، مع تكثيف حملات التلقيح للرجوع للتعليم العادي في أقرب وقت.

مقالات ذات صلة