ثورة شم النسيم!
كنا عندما نتحدث إلى إخوة مصريين نحس بحالة من الاختناق النفسي يعيشها المواطن المصري البسيط، مثلما تعيشها نخبة المفكرين والعلماء والدعاة والفنانين والسياسيين.
-
وكنا نشعر من الحديث معهم أنهم يختفون وراء ملكة دبلوماسية عرفناهم بها ولم نكن نفهم كنهها وحقيقتها، بل كنا أحيانا وبصراحة نسخر منها ونعتقد أنها وجه من أوجه النفاق الذي لم نتعود عليه نحن الجزائريين، لكننا والله يشهد كنا مخطئين في حق هذا الشعب بل لم نكن ندرك حقيقة الظلم الجاثم على صده ولم نكن نقدر حجم البؤس والإحباط الذي هيمن على البلد منذ 30 سنة، وحتى مساحة الحرية التي كانت موجودة في الساحتين الإعلامية والسياسية، كان واضحا أن سقفها لم يكن ليطال الرئيس مبارك الذي أحاط نفسه بهالة وعصمة وأكسبته النخبة المنافقة المحيطة به والنظام البوليسي الذي تحت يده، سطوة لا يقدر المواطن المصري البسيط حتى على التفكير في مجابهتها، وأفضل الإخوة المصريين حالا من الذين كنا نناقشهم تجده يجلد نفسه وبيئته والمجتمع والحكومة ليقف عاجزا عن قول الحقيقة في رئيس نصب نفسه ملكا مدى الحياة وكان ينوي ترك الجمل بما حمل لعائلته، يرعى إمبراطورية من الفساد تمتص دماء المصريين وتحيلهم الى المقابر قبل الأوان، بينما خيرات البلد تقتسمها شلة من المفسدين والغاز المصري القادم من الجزائر يباع إلى إسرائيل بثلث ثمنه ..
-
نعم لا نعتقد أن المواطن المصري كان يتنفس مثلما نتنفس جميعا، وتتنفس كل شعوب العالم، رغم كونه يحتفل سنويا بعيد شم النسيم، فالشعب مختنق ومحتقن بالفقر والحرمان والظلم والفساد والقمع، ولم يكن يقوى حتى على التعبير عن هذه الحالة من الموت البطيء التي كان الإعلام المصري الرسمي يقمعها بجنرالات من الإعلاميين المنافقين والمأجورين، الذين يلعبون اليوم دورا قذرا في نسف وتسفيه ثورة الشباب.
-
لقد كنا نرى أشقاءنا المصريين يخرجون سنويا في عيد “شم النسيم” ولم يكونوا ليشموا سوى روائح قمامات الفاسدين الذين امتصوا دماءهم وهربوا بأموالهم ويقتسمون ريعهم، وكأن المصريين اليوم الذين يتهافتون على ميدان التحرير ويبيتون فيه .. يخرجون لأول مرة لشم النسيم الحقيقي .. نسيم الحرية والانعتاق والتحرر وكسر حاجز الخوف الذي كتم على صدورهم، يواجهون سلاح البوليس الذي واجهوه لعقود ولم ينل من كبريائهم، يعلمون أن أجهزة النظام تقمع بالألوان وتلبس أكثر من قناع ولا يمكن مواجهتها، إلا بالذي حصل في ميدان التحرير، بالوحدة والشجاعة والإصرار على شم النسيم الحقيقي النقي والنظيف وليس المزيف الذي لوثه نظام مبارك على مدار عقود من الاستبداد ..
-
نعم لقد أحرق الشباب المصري بواخر الاستسلام والخنوع والرجوع، ويعلم أن عودته دون استكمال النصر سوف لن تنسف منجزاته فحسب، بل ستعرّض حياة الشباب المعتصمين كلهم إلى الخطر في نظام مدرب على الخطف والقنص والتلفيق، وهيهات لمن استنشق رائحة النسيم الحقيقي أن يقبل العودة لاستنشاق روائح ملوثة بآثار الفساد والقمع والترويع.