ثورة مسكوت عنها
في ساحة الأحرار بالموصل وقفت فتاة عراقية في حشد من النساء العراقيات تخلع من يديها حلي عرسها وتعلن أنها تتبرع بها للعراق وتقسم أن لا تتزين بحلي حتى يتحرر العراق من الأمريكان ..كان المشهد عراقيا بامتياز ..ففي ساحة الشهداء التقى العراقيون جميعا كردا وعربا مسلمين ونصارى رفعوا علمهم بنجمتيه ذابت الطائفيات المقيتة والقوميات المنتنة والتعصبات الرديئة لينطق العراقيون بكامل الوضوح أنهم يطالبون بخروج الأمريكان من بلادهم وأن يرحل معهم كل من جاء على ظهر الدبابات الأمريكية..
-
ماحدث في الموصل كان نموذجا لكل العراق الذي انتفض ولايزال في حالة تصاعدية وقد سقطت حجج الأمريكان وأصدقائهم.. ثمان سنوات على احتلال العراق وتدمير دولته ومؤسساته وتشتيت أبنائه وقتل ما لايقل عن مليوني عراقي ..ثمان سنوات على ديمقراطية أمريكا و الانتخابات المتنوعة والمتتالية فيما حمام الدم لازال يغطي وجه العراق كله.
-
لقد خاض العراقيون بلامعين مقاومة الاحتلال بالسلاح وشهدت مناطق العراق مقاومة بطولية أرهقت قوات الاحتلال قبل أن تتمكن الأجهزة الأمنية الأمريكية من اختراق بعض القوى ودفعها لارتكاب مجازر داخلية لصرف الناس عن عدوهم وإشعال نار الفتنة فيما بينهم.
-
وبعد سنوات ثمان وقد ظن الساسة الجدد وسادة البيت الأبيض أنه قد تم تدجين الشعب وقهره وهزيمته أشاح الناس عن جراحهم ضمادها وفتحوا للجرح الراعف طقوسه في التعبير عن رفض الاحتلال وكل ما رافقه..فخرجت الجماهير في كل مدن العراق وقراه لتعلن أن على المحالين الرحيل بكل وجودهم البغيض.
-
لابد من الكشف عن نوايا الأجهزة الإعلامية ومدى تورطها في حرب الصمت والسكوت عما يجري بالعراق من مآس وجرائم على يد الاحتلال والقوى المسعورة التي وجدت نفسها في مواقع الآمر الناهي تعيث الفساد والقتل بلا رادع..
-
أما الإدارة الأمريكية التي تحاول منذ ثلاثة أشهر أن تظهر ترحيبا بدعوات الحرية في الوطن العربي لدرجة أن البعض منا اعتقد أن الثورات العربية شأن أمريكي داخلي فهاهي تشيح بوجهها عما يحصل في العراق بل تمعن في الأذى وقهر الشعب من خلال دعمها لأصدقائها المتسلطين على الشعب العراقي وأن صوت حناجر العراقيين وصلت بالتأكيد إلى أذان صانع القرار في البيت الأبيض وهو يفتح عينيه على أيادي العراقيين وهي تلوح في الفضاء تهتف ضد الاحتلال وأصدقاءه..فلماذا أصاب الخرس ألسنة السي ايه إن والناطقين الرسميين عن البيت الأبيض والكونغرس؟
-
أجل إنها ثورة مسكوت عنها ولكنها ثورة حقيقية بل لعلها محل إجماع مشرف ولايمكن الاقتراب منها بتشكيك في المنطلقات أو في الأهداف..وبها يكون العراقيون قد وصلوا إلى الخطوة الأخيرة بعد أن بلغ الإعياء بعدوهم مبلغه ..وأن استمرار هذه الثورة سيكون ضمانة توّحد العراق شعبا وأرضا ليصاغ العراق من جديد.